الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

علي يوسف السعد يكتب: سافر معي إلى شارع الصحافة

علي يوسف السعد يكتب: سافر معي إلى شارع الصحافة
10 يناير 2023 01:21

إذا أردت أن تختصر تاريخ الصحافة العالمية في شارع، فلن تجد أفضل من «فليت ستريت» في لندن، فعلى مدى قرون طوال مضت رافق الشارع تاريخ الطباعة والنشر والصحافة البريطانية منذ نشأتها، حيث كان معقلاً لأشهر وأعرق الجرائد والمؤسسات الصحفية البريطانية، فضلاً عن أشهر الوكالات الإخبارية العالمية، حتى بات يعرف بالصحافة وتعرف الصحافة به.
يقع «فليت ستريت» في قلب لندن، حيث يصل شارع ستراند الواقع في مدينة وستمنستر، بكنيسة القديس بولس، بدأت قصة هذا الشارع مع الصحافة مبكراً، فمع حلول عام 1702م، صدرت أول جريدة مطبوعة في لندن وهي «ديلي كورانت» انطلاقاً من هذا الشارع، ثم توالى نشوء عديد من الصحف في الجوار، وبات «فليت» مع مرور العقود معروفاً كمقر لكبريات الصحف البريطانية، مثل الديلي ميل، والديلي تليجراف، والإندبندنت، والصن، وغيرها.
في هذا الشارع التاريخي وجد الصحفيون ضالتهم، لقد قدم لهم الشارع كل ما يحتاجون إليه لإتمام عملهم على أكمل وجه، فبالإضافة إلى وقوعه وسط المدينة وعلى مقربة من جميع المحاكم والدوائر الحكومية، فقد كان مزدحماً كذلك بالحانات والمطاعم التي يفضلها الصحفيون، والتي لطالما جمعتهم معاً في أجواء أسهمت في رفع سعير المنافسة.
حين تعبر هذا الشارع وتمر من خلاله الآن فأنت بصدد تاريخ يتألق في ناظريك من كل اتجاه، لقد خُبزت وطُبخت هنا كثير من الحكايا والقصص، هنا كانت صيحات بائعي الجرائد تتهادى إلى آذان العابرين، طازجة بأخبارها الحصرية الآتية تواً من مقراتها القريبة، زال كل هذا ربما بفعل التكنولوجيا والتطورات الصحفية وهجرة المقرات، لكن لا يزال سحر المباني القادم كثير منها من القرن التاسع عشر تبهر الزوار بطرازها المعماري الفيكتوري المتأنق.
لقد بدأت حركة هجرة الصحف من «فليت ستريت» إلى شوارع أخرى متفرقة في لندن عام 1986، حينما قرر إمبراطور النشر والصحافة روبرت مردوخ نقل أربع من أكبر الصحف البريطانية التي يملكها (الصن - التايمز - نيوز أوف ذي وورلد - صنداي تايمز) من الشارع إلى وابينغ شرق لندن، طمعاً في تجاوز بعض الإضرابات العمالية، ليتبعه في ذلك القرار وعلى مدى السنين التالية معظم الصحف والوكالات الصحفية.
أضحى الشارع اليوم مقراً لكثير من البنوك ومكاتب المحاماة، وبات يجوبه رجال الأعمال والمصرفيون ورجال القانون، وتحولت مطاعمه وحاناته التاريخية لتتلاءم -حتى في ديكوراتها الداخلية- مع أنماط الزبائن الجدد من أرباب المال والقضايا.
حيث يمتلئ الشارع حالياً بكثير من الحانات والمطاعم والمحال، التي تقدم لزوارها بجانب وجبتهم التاريخية الدسمة، وجبات أخرى مميزة من أطباق وأصناف منوعة، لا يمكن تجربتها في أي مكان آخر إلا هنا.
أما الصحافة فلم يبق من أثرها في هذا الشارع، إلا بعض المباني التاريخية بديعة التصميم لصحف مثل ديلي إكسبريس، ولوبيانكا نوار، وديلي تلغراف، كما بقيت أيضاً كنيسة «سانت برايد» والتي يسميها بعضهم كنيسة الصحفيين شاهدة على هذه الحقبة المهمة، حتى إنها تواصل -إلى اليوم- تأبين الصحفيين ورثائهم ومساندة قضاياهم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©