الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

اعترافات محررة الموتى.. هكذا أكشف الغطاء عنهم !

آن وور
10 ديسمبر 2022 01:25

لندن (الاتحاد)

كل يوم اثنين في السابعة صباحاً تستيقظ آن وور. تعد قهوتها، تفتح الراديو، تدير المؤشر يميناً ويساراً، تستمع باهتمام، وتشرب القهوة بتأنٍ، تطالع الصحف، تبحث بلا هوادة عن غايتها. بحلول الساعة الحادية عشرة تكون قد وصلت إلى هدفها. «جثة» تستحق أن يعرف عنها القراء الكثير. ثم تنكب لمدة 36 ساعة على تلك «الجثة»، تحلل أخبارها السابقة وتدرس تفاصيل حياتها وشبكة علاقاتها وإنجازاتها وانكساراتها.. باختصار تكتب وور مقالات التأبين أو النعي أو ما يسمونه بالإنجليزية Obituary. تمنحها مجلة الإيكونوميست الشهيرة صفحة أسبوعية منذ عام 2003 لتواري فيها كل ما يتعلق بالشخصية التي قررت أن تقدمها لقرائها.
تقول وور في مقابلة مع صحيفة «تشيرش تايمز» إن اختيار كلمة واحدة قد يستغرق منها أحياناً ساعات، لكن بعكس كثير من الصحفيين الذين يبحثون كل يوم عن قصة جديدة مثيرة، تبدو وور غير مضطرة إلى ذلك.. فعلى الدوام هناك المزيد من حالات الوفاة.
وتقول لموقع كولومبيا جورناليزم ريفيو إنها لم تضطر أبدا للبحث عن جديد، لأن «الموت هو الثابت الوحيد في الحياة، لذلك سيكون لدى كتاب النعي دائماً محتوى مضمون». المدهش أن وور تكتب مقالات التأبين هذه بشغف شديد.. بقلب جراح وأحاسيس شاعر رقيق ورقة امرأة حانية. تتحدث بهدوء، زادتها أعوامها الواحد والسبعين حكمة وتبصراً، فتختار كلماتها بعناية. ربما لأنها بالأساس مؤرخة حاصلة على درجة الدكتوراه من أكسفورد، تخصصها فترة العصور الوسطى.
تقول عن مهمتها الأسبوعية التي صارت هوايتها المحببة: «بكل كياني أنغمس في حياة الشخص المتوفى الذي أكتب عنه. أتسلل إلى عواطفه وهواجسه وأفكاره.. أفتش عن كل شيء يساعد القراء على أن يفهموا كيف كانت هذه الشخصية ترى العالم».
 ولدت وور في ميدستون، كنت، في بريطانيا، وكانت تريد دائماً أن تكون كاتبة «منذ اللحظة التي يمكنني فيها حمل قلم رصاص»، حسبما تقول. 
في بداية عملها بالإيكونوميست، انضمت وور إلى قسم الفنون والكتب عام 1976، لكنها كانت مهووسة بقصص الراحلين. تقول عن هذه الفترة:«كنت أقرأ قصص الموتى وأجدها مثيرة للاهتمام»، حتى أنها أخبرت رئيس التحرير في ذلك الوقت بأنها جاهزة لتولي هذا المنصب، لو أصبح شاغراً. 
كتبت وور على مر السنين، المئات من مقالات التأبين. وفي العادة لا تزيد على ألف كلمة، ومن دون توقيع مثل بقية مقالات الإيكونوميست، ومع ذلك استقطبت قاعدة جماهيرية هائلة، بحسب كولومبيا جورناليزم ريفيو التي نقلت عنها قولها: «لطالما أحببت عدم الكشف عن هويتي، خاصة أن الناس لا يعرفون ما إذا كنت رجلاً أم امرأة». «ولكن في الواقع، يبدو أن اسمي قد صار معروفاً على أي حال، حيث أتلقى رسائل بريد إلكتروني ورسائل حول النعي موجهة إلى بشكل خاص طوال الوقت. ويجب أن أعترف بأنني أحب ذلك أيضاً».  
خلال الساعات الست والثلاثين أو نحو ذلك التي تعمل فيها على المقال (يجب أن يتم تسليمه الساعة 5 بعد ظهر كل ثلاثاء)، تقرأ وور كل ما يتعلق بالسيرة الذاتية للراحل الذي ستكتب عنه، حتى في YouTube، ومنصات التواصل الاجتماعي بحثاً عن كل شاردة وواردة. وهي حريصة على ألا تتأثر بما تجده سلباً أم إيجاباً، وبتأنٍ تشكل وجهة نظرها الخاصة. «أنا لا أتحدث أبداً مع أي شخص للحصول على آراء أو تعليقات. أنا أعتمد على بحثي الخاص وانطباعي عن الشخص الذي أكتب عنه»، هذا هو شعارها.

«المشرحة».. كيف تكتب عن الراحلين من دون أن تؤذي أحباءهم
تفضل الكاتبة آن وور تجاهل التسلسل الزمني لحياة المتوفى. بدلاً من ذلك تبحث عن الأشياء المهمة التي تستحق الكتابة عنها، وليس مجرد المدارس التي التحق بها  أو الوظائف التي تقلدها أو تاريخ ميلاده. فالأهم من ذلك «وجهات نظرهم حول الأشياء. التفاصيل الصغيرة التي توضح كيف كانوا يتحدثون ويفكرون ويعيشون.. لأن مهتمها الأساسية هي أن تحدد للقراء بالضبط «أي شخصيات كانوا قبل الموت».
هناك قطع تحتفظ بها في «مشرحتها» - وهو مصطلح تستخدمه للإشارة إلى مقالات النعي التي تكتبها مسبقاً عن الأشخاص البارزين الذين ما زالوا على قيد الحياة. لقد كتبت مقالاً عن الملكة إليزابيث منذ أكثر من عشر سنوات، وكان عليها الاستمرار في تعديله كلما تغير شيء ما. بعض المسودات – على سبيل المثال – عن فيدل كاسترو – تبقى في المشرحة لفترة طويلة لدرجة أنها تكاد تنساها. 
وفي بعض الأحيان، لم تلق مقطوعاتها استحساناً من قبل عائلات المتوفين، أو من قبل جمهورها العام. وقد جلب لها مقال كتبته بعد  أسامة بن لادن بعد مقتله الكثير من الانتقادات، لأنها بدت ناعمة بعض الشيء في ثنايا الفقرات، وهو أمر بدا متناقضاً تماماً مع ما ارتكبه من أفعال.  وفي مقابلة أخرى مع صحيفة «تشيرش تايمز»، تقول وور عن أسلوبها في العمل إن أهم شيء بالنسبة إليها هو الدخول إلى عقل الشخص - الموضوع، وتضيف:«أنا مهتمة بهم فقط، وليس ما قد يعتقده الآخرون عنهم. أريد أن أعرف ما الذي استحوذ عليهم على تفكيرهم، وما الذي آلمهم، وكيف رأوا أنفسهم والعالم من حولهم. أنا لا أقترب من أشخاص آخرين، بما في ذلك الأسرة، الأمر الذي سيكون تدخلياً للغاية. إذا كتبوا مذكرات أو كتباً، أركض إلى مكتبة لندن للحصول عليها. إذا أجروا مقابلات، فأنا أشاهد أكبر عدد ممكن.» وعلى الدوام، فإن هدفها الرئيس هو أن تكون صادقة بشأن الشخص الذي تكتب عنه بعد وفاته. وتقول:«إذا كان بإمكاني تحقيق ذلك للموتى، آمل أن يكون مقبولاً، وليس مؤذياً، للأحياء. أنا حقاً لا أصدر أحكاماً عليهم لتقييمهم. إنني فقط أتحدث عن أفعالهم».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©