عدد اليوم
نقول: إن الموسيقى غذاء الروح وترتقي بالإحساس وما إلى ذلك من التعبيرات المراوغة التي لا يمكن الإمساك بها وقياسها.. فهل حقاً للموسيقى فوائد لو تحدثنا من منظور علمي نفسي، لا منظور شاعري وجداني؟
في حقيقة الأمر، يبدو أن الإجابة هي نعم. الموسيقى مفيدة نفسياً وصحياً، لدرجة أنها ساعدت كثيراً من الناس على مواجهة «كوفيد»! هذا ما تقوله دراسة حديثة أجراها باحث من هؤلاء الذين اعتبروا فترة «الجائحة» مجرد تجربة خاضها جميع سكان الأرض، وعلينا رصد نتائجها بدقة! فماذا وجدوا؟
في الدراسة التي تحمل عنوان «أسباب المشاركة في الأنشطة الموسيقية وعلاقتها بالرفاه أثناء وقبل Covid-19»، أجراها كيس ولينيل (2022)، أجرى المؤلفون دراسة مقطعية بين فئة الشباب البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، لمعرفة مدى تأثير مشاركتهم في أي أنشطة موسيقية «مثل الاستماع إلى الموسيقى أو عزفها أو الغناء أو الرقص…» في حالتهم النفسية.. فوجدوا أن الذين تفاعلوا مع الموسيقى أثناء «الجائحة»، زاد رضاهم عن الحياة وزادت سعادتهم، وكأنهم استخدموا الموسيقى كي تلعب دور الوسيلة الدفاعية التي تحافظ على صحتهم النفسية في مواجهة ضغط الأحداث.
يقول الباحثون: إن الاستماع إلى الموسيقى ساهم في تنظيم الحالة المزاجية والمشاعر الإيجابية، وزاد من الإحساس بالدعم النفسي والترابط الاجتماعي والانتماء، حين يستمع الشخص للموسيقى في صحبة آخرين، كما زاد من الإحساس بالكفاءة الذاتية عند أولئك الذي عزفوا الموسيقى أو غنوا معها. كما تساعد الموسيقى الناس على الاسترخاء وتخفيف القلق والابتعاد ذهنياً عن مصدر الضغط النفسي.
وتشير الدراسة إلى أن الموسيقى يمكن استخدامها وسيلة لتحسين جوانب مختلفة من السعادة والرضا في الحياة اليومية وأثناء الأزمات.
هذا الكلام يذكرني بصورة صحفية شهيرة واسعة الانتشار للمصور جوزيف عيد بـ «وكالة فرانس برس»، التقطت أثناء الأزمة السورية.. لرجل كبير السن يجلس على سرير مترب وسط حطام منزل مدمر، بينما يستمع في سكينة إلى مشغل أسطوانات قديم يذيع أغنية ما!
كثيراً ما أتأمل هذه الصورة وأجدها معبرة عن التصور الواقعي للسعادة.. فالحياة ليست كاملة، ولا بد لكل واحد منا أن يكون له ملاذ نفسي يحميه من اضطرابات الزمن.. وقد يكون هذا الملاذ للبعض -ببساطة - هو الفن.
