عدد اليوم
ساسي جبيل: (تونس)
تُعتبر «صقلية»، أكبر جزيرة أوروبية في البحر الأبيض المتوسط، وتمتلك ثقافة غنية وفريدة من نوعها، وخاصة فيما يتعلق بالفنون والموسيقى والأدب واللغة والمطبخ والعمارة، حيث كانت مهداً لعدد من الشخصيات التي أثرت في التاريخ الأوروبي والعالمي. وكانت دولة في حد ذاتها في إحدى مراحل تاريخها، وامتد نفوذها من «باليرمو» جنوبي إيطاليا و«مالطا»، قبل أن يتم توحيد إيطاليا عام 1860م، وتصبح «صقلية» منطقة ذات حكم ذاتي.
كانت جزيرة «صقلية» الإيطالية، في العصر الوسيط، جزءاً من تاريخ الجغرافيا الإسلامية، حيث استطاع عبرها المسلمون أن يتوغلوا تدريجياً نحو الجنوب الإيطالي، ليكونوا على مقربة من روما.
ووفق الباحث الدكتور سالم الهرابي، فإن الوجود الإسلامي في «صقلية» استمر لأكثر من قرنين، وأقام العرب حضارة، وتركوا إرثاً لا يزال شاهداً على وجودهم إلى يومنا هذا، بالرغم من مرور ألف عام على رحيلهم. وذكر أن المسلمين وبعد فتحهم شمالي أفريقيا والأندلس، فضلاً عن الشام ومصر، تحولت المواجهة بينهم وبين البيزنطيين بعد تقهقر الروم من الشام إلى الأناضول، وإلى عمق القارة الأوروبية، حيث أضحى البحر المتوسط ساحة معركة. وأدرك المسلمون بعدها ضرورة إقامة أساطيل وموانئ قوية على سواحلهم الطويلة.
التين والقطن
بالاطلاع على تاريخ القوات البحرية الإسلامية، تتمتع جزيرة «قوصرة» القريبة من السواحل التونسية والواقعة في منتصف المسافة مع «صقلية» بأهمية استراتيجية واقتصادية، بعد إشادة الجغرافيين والرحالة المسلمين بموقع هذه الجزيرة الممتازة، قبالة تونس، إذ يمكن منها جلب التين والقطن، ما جعل القائد موسى بن نصير يصمم عام 707م على ضم الجزيرة، واتخاذها قاعدة أمامية لأسطوله، واستطاع ضمها إلى الولاية الأفريقية، وهي التسمية القديمة لتونس.
وبعدها تم إنشاء دار لصناعة السفن الحربية وربطها بالبحر المتوسط في تونس التي أصبحت مركزاً بحرياً استراتيجياً للأساطيل الإسلامية منذ نهاية القرن الأول الهجري.
وبارتقاء عرش الدولة في أواخر عام 817م، حرص الأمير زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، على التوجه صوب الفتوحات والغزو، معتبراً ذلك السبيل الأفضل لدولته ولجيشه وللسكان، فأمر منذ فترة مبكرة من ولايته بإعداد الأسطول وحشد الجنود، وخروجها إلى جزيرة «سردانية» القريبة من «صقلية»، ليعود بعدها الأسطول منصوراً وسط احتفالات صاخبة في العاصمة العباسية القريبة من القيروان.
علوم وآداب
في عهد الحكم الأغلبي، كان اتجاه الفتوحات في «صقلية» من الغرب إلى الشرق، لا سيما من مدينة «مازر» و«بلارمو». وبسقوط الدولة الأغلبية واستيلاء العبيديين الفاطميين على أقاليمهم في أفريقيا، وارتقاء المهدي للعرش وتأسيس العاصمة الجديدة «المهدية»، استتبت الأوضاع له، وأرسل إلى «صقلية» بعض ولاته لضمان تبعيتها، مدعومين بقوات عسكرية كبيرة، استطاعت إخماد الثورات في الجزيرة، وحكمها لمدة 95 سنة شهدت تقدماً في الحياة العمرانية وفي العلوم والآداب. وبعدما شهدت «صقلية» في ظل الحكم الإسلامي نهضة حضارية في المجالات الاقتصادية والثقافية والعمرانية كافة، إثر إدخال المسلمين إليها أنواع الزراعة، مثل الليمون والبرتقال والقصب والأرز والنخيل والقطن والبردي، نشأت فيها أساليب زراعية تلائم بيئتها، قبل أن يستغلها النورمان الذين كانوا يحكمون أجزاء من وسط وجنوبي إيطاليا.
الأكبر مساحة
تبلغ مساحة «صقلية» 25.708 كيلومتر مربع، لتكون بذلك أكبر الأقاليم الإيطالية مساحة، ويبلغ تعداد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، وتقع على الطريق التجارية في البحر الأبيض المتوسّط، وعُرفت بموقها الاستراتيجي عبر تاريخها الطويل، وكانت على مر العهود نقطة مهمة على خريطة أوروبا.
