الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

آنا وسيرينا.. كيف غيرتا قواعد اللعبة في الرياضة والصحافة؟!

سيرينا وليامز وآنا وينتور
17 سبتمبر 2022 00:06

أحمد مصطفى العملة

للوهلة الأولى، قد يبدو من الصعب الجمع بين سيرينا وليامز نجمة التنس العالمية، وآنا وينتور، الصحفية الشهيرة رئيس تحرير مجلة «فوغ» في جملة واحدة. فالمسافة بينهما، نظرياً، بعيدة جداً. فما الذي يجعل من الممكن أن تتقاطع مسيرة بطلة رياضية مع سيدة المجتمع والصحافة والموضة والفخامة.؟! المفاجأة.. أشياء كثيرة تجعل الأمر ممكناً جداً.. كالتنس الذي تعشقه وينتور، والصحافة التي مارستها سيرينا في مقتبل حياتها، والأزياء الراقية التي تعشقها، بتوصيات من وينتور، كما أن سيرينا زوجها صحفي لامع، وآنا والدها صحفي بارز، وكذلك شقيقها، والاثنتان، كان للوالد في حياتهما تأثير كبير للغاية. ثم إن كلاً منهما صار رمزاً قوياً لعصر المرأة صاحبة الشخصية القوية المهيمنة، ذات التأثير الطاغي الذي يتجاوز نطاق تخصصها إلى الفضاء الإنساني العام.

وهو ما لم يكن ليتحقق لولا أن كلاً منهما فرضت طابعها الشخصي جداً على مسيرة كفاح مذهلة في بيئة شديدة التنافسية، تحكمها قواعد ولوائح وتقاليد.. وقد كسرت كل واحدة منهما قائمة طويلة من تلك القواعد في الطريق للقمة، خاصة ما يتعلق منها بالتحيز لصالح الرجل أو ضد أصحاب البشرة غير البيضاء. ربما لهذه الأسباب، اختارت سيرينا «فوغ» بالتحديد لتعلن اعتزالها، كلاعبة. مع أنها ليست مجلة إخبارية أساساً.. لكن بصمات آنا غيرتها، حتى غلافها لم يعد حصراً على العارضات الفاتنات.. بل صار متاحاً أمام المشاهير من كل جنس ولون وسن ومجال.. سيرينا نفسها ظهرت على الغلاف أربع مرات. ويتزامن اعتزالها مع تردد شائعات عن تقاعد آنا التي صدر عنها قبل أسابيع كتاب جديد يبدو كما لو أنه سيرتها الذاتية .  لقد غيرت آنا وسيرينا قواعد اللعبة في الرياضة والصحافة والموضة والمجتمع أيضاً خلال العقود الثلاثة الماضية .

سيرينا وليامز.. صحفية سابقة أحدثت ثورة في الإعلام الرياضي
كان اقتحام سيرينا - مع شقيقتها فينوس- عالم التنس أواخر التسعينيات يناقض تماماً، تلك الرياضة النخبوية بتقاليدها الأرستقراطية، التي يمارسها ويتحكم فيها ويشاهد، فقط الرجال البيض. لكن سيرينا لم تبدأ مسيرتها المهنية كلاعبة تنس. بل جربت حظها أولاً في عالم الصحافة كرئيس تحرير. نعم. فقد نشرت في صباها عام 1998 مع شقيقتها فينوس، دورية لمتابعة أخبار التنس ونجومه، كان اسمها Tennis Monthly Recap. استفادت سيرينا لاحقاً من تلك التجربة القصيرة في علاقتها مع الإعلام. ففي مستهل رحلتها بالملاعب، لم تكن الصحافة الرياضية تهتم إلا بما هو داخل الملعب، واللاعبون بالنسبة للصحفيين كانوا مثل آلات متنافسة، لم يكن يتم النظر إليهم كبشر لهم آراء في الحياة.

لذلك ارتبك الصحفيون عندما بدأت سيرينا تكشف عن شخصيتها الحقيقية. كان الأمر مفاجئاً بالنسبة لهم.. كانت هي أكثر تقدمية منهم، أو على يسارهم. في تلك الفترة، لم يكن الإعلام الرياضي معتاداً على هذا النوع من النجوم الذين تتقاطع مسيرتهم الرياضية مع قضايا مجتمعية حيوية مثل العرق والاقتصاد والسياسية. ولم يكن تركيزهم على موهبة وليامز.. كان الاهتمام محوره جهود الأب في تدريب بناته وأسلوب لعب الفتاتين. بل كان ثمة تلميح إلى أن سيرينا لا يمكن النظر إليها بقدر عالي من الاحترام كلاعبة تنس بسبب طبيعة ملابسها وظروف نشأتها، بحسب Jo Adetunji في موقع «ذي كونفيرسيشن». وقد وضعتها الصحافة - ولو بطريقة غير مباشرة - في زاوية الفتاة السوداء الفقيرة التي استثمر والدها موهبتها لكسب المال، فبدأت تشعر باستفزاز مضاعف من الانتقادات العنصرية التي توجه لها ولأسرتها. من هنا بدأت مواجهتها الحقيقية مع الإعلام، حيث أخذت تطالب الصحفيين بأن يهتموا بما هو أكثر أهمية من قوة ضربة إرسالها أو أصولها العائلية أو كفاح والدها.  

لقد كانت تشعر طوال الوقت بأن ثمة تمييزاً صارخاً تتعرض له باعتبارها امرأة وباعتبارها سوداء وباعتبارها صاحبة شخصية قوية لها آراء مختلفة. وقد كانت تصر على ضرورة أن يعامل الصحفيون، وحتى المنظمون، النساء بطريقة أفضل، وعلى الدوام كانت تطالب بإنهاء التمييز في المكافآت بين اللاعبين واللاعبات في جوائز البطولات. تقول الباحثة في الصحافة الرياضية إيرين وايتسايد، إن وجود وليامز كامرأة سوداء في رياضة نخبوية بيضاء تاريخياً، والتزامها بقضايا مجتمعية معينة، أجبر الصحفيين الرياضيين على إعادة تقييم عملهم المهني، بحيث يستوعب ما هو أكثر من مجريات اللعب. المفارقة أن شخصية سيرينا بكل أبعادها، مثلت عنصراً مهماً في رواج الصحافة الرياضية خلال العقود الماضية. فقد ظهرت في وقت كانت عائدات الإعلانات في تراجع متواصل. وتقول الباحثة إيرين وايتسايد إنه عند صعود نجم سيرينا، كانت نظرة الإعلاميين عموماً لزملائهم الصحفيين الرياضيين.. كانت نظرة دونية، كانوا يستخفون بهم، ويرون أنهم يقومون بعمل ليس مهماً ولا جاداً. لكن الآن يمكن القول إن الأمر تغير تماماً بفضل نجوم مثل سيرينا التي نجحت في تغيير نظرة المجتمع للمرأة في عالم الرياضة، وغيرت من تغطيات الصحافة للرياضة.

آنا وينتور.. الوجه الصارم للعولمة الناعمة 
كثيرون في دوائر الصحافة والموضة العالمية، يمكن أن يطلقوا على العقود الثلاثة الماضية، أنها عصر آنا وينتور. فهي المرأة التي تقول للنساء في العالم.. ماذا يرتدين.. وأي الألوان أفضل، وأي التصميمات أجمل؟! إنها الصحفية - الأسطورة التي تتحكم بطريقة ما في وضع قواعد الذوق العام والموضة عبر العالم والثقافات، من فوق عرشها كرئيسة تحرير لمجلة «فوغ» الشهيرة.. بالتالي هي شخصية مؤثرة جداً.. إنها تجسد التأثير القوي النوعي للصحافة في عصر العولمة.. والمدهش أن سلطتها الناعمة الهائلة هذه لا تستمدها من مجلة سياسية خطيرة أو صحيفة اقتصادية عليمة ببواطن الأمور أو من مركز خطير للأبحاث.. بل من مجلة للموضة والأزياء والفخامة وللمجتمع المخملي بالأساس..  فكيف إذن كرست وينتور للمجلة كل هذا النفوذ؟! ضربتها الأساسية كانت في أنها فتحت المجلة للشخصيات الشهيرة في العوالم المحيطة بالموضة.

فوجد نجوم الرياضة والسياسة والمشاهير من خارج نطاق عالم الأزياء طريقهم إلى أغلفة أشهر مجلة مخملية. لقد كانت منفتحة تماماً على العالم، بعكس الصحافة الرياضية التي لم تكن تنظر إلا تحت قدميها، حتى أنها احتاجت مزيداً من الوقت لتلتفت إلى سيرينا وليامز. هذه النظرة الرؤيوية اكتسبتها وينتر من والدها تشارلز وينتر الصحفي الشهير الذي كان أحد أبرز رؤساء تحرير صحيفة إيفيننج ستاندارد البريطانية خلال الستينات. فقد كان يؤمن بأن الصحافة الشعبية يمكن أن تكون أيضاً عميقة بالدرجة التي تجعلها جذابة للمتعلمين والمثقفين. بذلك، قدمت فوغ «Vogue» في ظل «حكم» آنا وينتور مزيجاً ساحراً وناعماً وعميقاً بدرجة ما. وبشخصيتها الآسرة التي تخفيها وراء نظارة سوداء وابتسامة باردة على الدوام، وضعت للنساء عبر العالم مقاييس صارمة للجمال والأناقة والفخامة. أخذت السينما هذه المقاييس وكرستها كما لو كانت الدليل المرشد المعتمد.

ترأس آنا تحرير المجلة منذ عام 1988، الآن تروج شائعات حول قرب رحيلها عن دار النشر Condé Nast التي تعمل فيها كرئيسة قسم المحتوى في جميع أنحاء العالم، وهو لقب صنع من أجلها لتشرف على العمل التحريري لجميع مطبوعات الدار حول العالم.  ومؤخراً، نشرت إيمي أوديل كتاب «آنا: السيرة الذاتية»، وهو كتاب من 447 صفحة مع مستوى من التقارير والبحث والتحليل يجعل من الممكن اعتباره السيرة الذاتية «غير المصرح بها». وتشتهر وينتور بتحفظها وتتجنب في العادة الكشف عن نفسها أو تفاصيل حياتها، لكنها في هذا الكتاب، قدمت للكاتبة قائمة بالأصدقاء المقربين والزملاء، مع تصريح ضمني بأنهم منحوا الإذن بالحديث. لذلك يبدو الكتاب وكأنه أقترب كثيرا من عالمها الحقيقي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©