الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: عاطفة.. بالأرقام

د. شريف عرفة يكتب: عاطفة.. بالأرقام
10 سبتمبر 2022 02:49

كأحد الأبطال الخارقين الذين نراهم في الأفلام تبدأ حكاية هذا الرجل..
كان رونالد يحب والده بشدة، إلا أنه توفي فجأة بأزمة قلبية ورونالد في العاشرة من عمره، تاركاً حزناً ومرارة ملأت قلبه.. وغرست في نفسه فكرة بدت طفولية وقتها، ولم يتخيل أحد أن يأخذها محمل الجد وترسم للطفل مسار حياته.. إذ قرر الصبي وقتها أن عليه اكتشاف طريقة للسفر عبر الزمن كي ينقذ والده! 
لم يكن أحد يتخيل أن يسعى الولد لتحقيق حلمه بالفعل. اليوم، يعد البروفيسور رونالد ماليت الأستاذ بجامعة كونيتيكت واحداً من رواد الفيزياء النظرية السفر عبر الزمن. بل إنه أثبت إمكانية القيام بذلك نظرياً، لكن مع عقبة واحدة هي عدم توفر الطاقة اللازمة للقيام بذلك، وهي طاقة التي تضاهي طاقة الشمس! أي أنه حقق إنجازاً في مجاله، حتى وإن كان نظرياً، بناء على عاطفة دفعته في البداية! 
حين سئل جراح القلب البروفيسور مجدي يعقوب (في حوار مع رامي رضوان) عن سر النجاح.. قال إنه يتألف من ثلاثة عناصر: الشغف والمثابرة والتواضع. وهو تعريف أراه علمياً تماماً لا علاقة له بالشعارات البلاغية الوعظية. أما «الشغف» فهو بمثابة الشرارة الأولى، العاطفة التي تجعل للمهمة الصعبة معنى.. ونحن كائنات تلعب العاطفة دوراً كبيراً في توجيهنا وإثارة حماسنا.. هناك من يعمل في وظيفة صعبة يستحيل أن تتصور العمل فيها، إلا أنه يفعل ذلك لأنه «يحبها».. والحب عاطفة! 
بينما «المثابرة» لازمة لاستمرار السعي رغم الإخفاقات وحتى وإن خفت الحماس.. ويأتي «التواضع» كضمان استمرار التعلم واكتساب الخبرات، بينما الغرور يجمد الذهن ويصيب الإنسان بضلالات بلوغ القمة، وهو يؤدي للجمود والانحدار.
لاحظ هنا أن الشغف والتواضع والمثابرة، كلها جوانب وجدانية تتعلق بإدارة الإنسان لمشاعره وانفعالاته.. لم يتحدث عن جانب تقني في الأداء، ولم يربط النجاح بمعامل الذكاء مثلاً! 
توحي أدبيات النجاح المهني بأن الشخص الأكثر تجرداً من مشاعره هو الأقرب للنجاح.. وهو أمر تدعمه بعض الدراسات بالفعل لو أردت الدقة، فالأشخاص الأقل تعاطفاً يستطيعون الترقي أسرع من غيرهم في بعض المؤسسات التي تهتم بالنتائج أكثر من بناء ثقافة مؤسسية داعمة على المدى الطويل.. لكن هذا ليس النموذج الوحيد للنجاح.. بل دعنا نقل إنه ليس النموذج الصحي! 
يقول روبرت شالديني (مؤلف كتاب التأثير: فن الإقناع) إن استخدام الأساليب الملتوية ليس في صالح المؤسسة على المدى البعيد.. فالشركة التي ترتضي تعيين موظفين يجيدون التلاعب والغش، سينقلبون عليها في النهاية لأن هذه طبائعهم.. هم الذين سينفض علنهم الأشخاص الخيّرون، ويأتيهم أمثالهم من الانتهازيين الذين سيفسدون حياتهم في النهاية!
حتى وإن قام الإنسان بمهام تبدو عقلانية موضوعية جافة مثل حل معادلات الفيزياء أو إجراء جراحة معقدة.. يظل المكون العاطفي هو الأساس الذي يدفعه للقيام بكل هذا أصلاً.. الجانب الوجداني، القيمي، المتعلق بما يشعر الإنسان في أعماقه أنه صواب، حتى وإن كان محض حلم طفل بأن يعود الشخص بالزمن لإنقاذ والده… 
إذ ليس الإنسان عقلاً محضاً.. 
بل هو إنسان!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©