الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: التناقض الذاتي

د. شريف عرفة يكتب: التناقض الذاتي
6 أغسطس 2022 00:31

سألني صديق عزيز، عن ظاهرة تحيره.. إذ لاحظ أن بعض من يعرفهم من المفكرين والباحثين، لا يتحلون بالقيم النبيلة التي تروج لها كتاباتهم.. فكيف لمفكر يؤصل للتعاون ومساعدة الآخرين، أن يكون أنانياً مؤذياً لغيره؟
فقلت له إن كل إنسان يمارس مهنته بعقلية مختلفة.. هناك من أصبح كاتباً ومفكراً للترويج للقيم التي يؤمن بها حقاً، وهناك من يمارس البحث كحرفة أصبح جيداً فيها بحكم الخبرة.. كالمحامي الذي يدافع عن قضيته ببراعة، بينما لو كان خصمه في القضية قد جاءه ليدافع عنه سيقوم بذلك بنفس البراعة. هناك من يدافع عن قضية يؤمن بها، وهناك من يمارس وظيفته.
إلا أن هذا ليس التفسير الوحيد. كثير من المفكرين خالفوا أفكارهم في حياتهم العملية. توماس أديسون ذو قيم التفكير العلمي حارب نيكولا تسلا بطرق ملتوية.. هدى شعراوي داعية تحرير المرأة ناهضت زوجة ابنها.. آرثر كونان دويل مبتكر شخصية شيرلوك هولمز رمز التفكير المنطقي وتتبع الأدلة، كان مؤمناً بوجود «جنيّات قصص الأطفال» وراح يروج لذلك في أواخر حياته..
من الشائع أن يناقض الشخص نفسه لأسباب كثيرة، لأن عقولنا مركبة من أجزاء متناقضة في الأساس.. هذا ما تلاحظه حين تحاول الإقلاع عن عادة سلبية أو مواجهة صراع نفسي بداخلك.. تريد الشيء ولا تريده.. بل حتى عند الحوار الذاتي الذي يدور في خلدك بشكل طبيعي.. من فيه يكلم من؟ أليس العقل واحداً يعرف الفكرة قبل أن تقال؟ من الواضح إن هذا ليس ما يحدث! فعلي سبيل لمثال، كلنا بداخلنا الشجاعة وبداخلنا الرغبة في إيثار السلامة.. فما هي المحصلة؟ تختلف الإجابة مع اختلاف السياق!
يحلو لنا اعتبار أنفسنا كياناً ثابتاً، رغم أن طريقة تفكيرنا تختلف من حين لآخر دون أن نلاحظ.. فحسب دراسات علمية كثيرة، فإن مزاجك ومشاعرك تؤثر في عملية التفكير ذاتها.. والمزاج والمشاعر تتفاعلان بشكل مستمر مع ظروف الحياة وتقلباتها، بل ومع كيمياء الجسم ودرجة الإرهاق.. حين تتخذ قراراً وأنت منهك نفسياً أو مكتئب، سيختلف عن القرار الذي تتخذه في نفس المسألة وأنت سعيد متفائل!
قد لا يكون المفكر مناقضاً لأفكاره كما نتصور.. بل إن هذا الاختلاف قد يكون نابعاً من تناقض مكوناته النفسية في الأساس.. إذ يحكم عقله المنطقي في العمل، لكنه يترك لعقله العاطفي الزمام في حياته العادية مثلاً.
لا يعني هذا أننا لا نتمتع بأرضية صلبة نقف عليها.. بل بالعكس.. فعلى الرغم من تناقضنا الداخلي، إلا أننا نحاول تخفيفه وخلق اتساق نفسي بين أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا.. وكلما كان هذا الاتساق أكبر، اقترب الإنسان من السلام والرضا والتصالح مع النفس.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©