الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: ميكروفون وميكروسكوب

د. شريف عرفة يكتب: ميكروفون وميكروسكوب
2 يوليو 2022 01:30

هناك علاقة متشابكة بين الإعلام والمؤسسات البحثية.. كل منهما باحث عن الحقيقة بطريقته، لكل معاييره ولكل جمهوره الخاص، إلا أن هناك تداخلاً خلاقاً بين الاثنين يتجلى عند تبسيط الإنتاج العلمي للقارئ العادي، لدرجة يصبح معها العلم دارجاً على ألسنة الناس وجزءاً من ثقافتهم العامة.
لولا الإعلام لما أصبح العلم دارجاً بين الناس.. لا أتحدث فقط عن أمور نظرية مثل الأكوان الموازية والممرات الدودية، التي نقلت أفلام الخيال العلمي قبساً منها للمشاهدين.. بل أعني أموراً مفيدة في حياة الناس اليومية مثل إجراء الإسعافات الأولية «هايمليك مانوفر» الذي تظهره الأفلام الأميركية بكثرة.. حتى أصبح مشهداً مألوفاً.. لو انحشر شيء في القصبة الهوائية لأحدهم، لا تكتفِ بالتربيت على ظهره - كما في الأفلام العربية - بل احتضنه من الخلف واضغط على بطنه بقوة لأعلى لتحريك الحجاب الحاجز لدفع الهواء لقذف هذا الشيء خارج الفم.. دون حضور دورة إسعافات أولية أصبح المشاهد واعياً بما ينبغي عمله لإنقاذ حياة شخص! لهذا السبب تستعين الأفلام العالمية بخبراء في مجالات مختلفة لنقل تفاصيل علمية صحيحة للمشاهد.. حين يصاب أحد بأزمة قلبية لا يضع يده على صدره مردداً: «قلبي.. قلبي!» بالضرورة.. بل قد يضع يده على كتفه الأيسر أو ذراعه أو أماكن أخرى غير الصدر. ملاحظة بصرية أخرى قد تقود لإنقاذ حياة أحدهم!
لكن أحياناً لا ينقل الإعلام الصورة كاملة، على سبيل المثال، هل سمعت أن اكتساب أي مهارة يحتاج إلى 10.000 ساعة من الممارسة كي تستطيع إتقانها؟ ذكر هذا الرقم في دراسة صغيرة مغمورة، لم تصبح معروفة إلا بعد أن كتب عنها صحفي نيويوركر الشهير «مالكوم جلادويل» لتبلغ شهرتها الآفاق وتصبح من أكثر الدراسات تردداً على ألسنة المدربين! ومن العجيب أن كل هذا حدث رغم أنها كانت دراسة صغيرة محدودة التأثير، بل ولم تصل لهذا الاستنتاج أصلاً، لأنها أجريت على عدد صغير من الموسيقيين المحترفين، ما يضع حدوداً عند تطبيقها على مهارات أخرى غير ممارسة الموسيقى! فماذا عن المهارات الأكثر أو الأقل تعقيداً؟ أو التي لا تتعلق بمهارة يدوية أو تذوق فني؟
ينتقد البعض الإعلام لأنه يصنع إلا من الفنانين نجوماً، لكن لو فكرت في الأمر، ستجد أنه جعل أيضاً «ألبرت آينشتاين» واحداً من أشهر الرموز البصرية على الإطلاق.. فقد كان آينشتاين بارعاً في التعامل مع وسائل الإعلام والصحفيين.. يحكي الكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل عن لقائه بآينشتاين في منزله لإجراء حوار صحفي، وكيف أن الأخير اقترح عليه تغيير الأسئلة بعيداً عن التفاصيل العلمية التقنية التي أعدها هيكل، إلى موضوع مشترك أكثر تشويقاً وجاذبية للقارئ.. فتحول الحوار العلمي إلى سياسي!
كثيرة هي الدراسات الأكاديمية المفيدة في مجالها، لكنها غير شيقة بما يكفي للقارئ العادي ومن ثم لا يهتم بها الإعلام.. وكثيرة هي الدراسات التي سلط الإعلام الضوء عليها نظراً لموضوعها المثير، رغم قيمتها الأكاديمية المتواضعة وما ينتابها من خلل منهجي مثلاً.. إلا أن هناك منطقة في المنتصف، مفيدة لكل من الطرفين.. وهو ما نشاهده في الوثائقيات العلمية التي تتناول موضوعات متخصصة دون إغراق في التخصص لجذب المشاهد العادي وإعطائه فكرة شيقة ومسلية عن الموضوع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©