الجمعة 3 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

محمد فوزي.. رائد الموسيقى المتجددة

محمد فوزي.. رائد الموسيقى المتجددة
20 فبراير 2022 21:25

علي عبد الرحمن (القاهرة)

واحد من عباقرة التأليف الموسيقي بالقرن العشرين، غرد بنغماته الرشيقة التي تحرر فيها من النمطية، وبموسيقاه التي داعبت أحلام الكبار والصغار، دون التخلي عن هوية الموسيقى الشرقية التي استمد منها البقاء في ذاكرة محبيه، حضوراً وتاريخاً مرصعاً بالنجاح، صاحب الشعبية الجارفة والجوائز والأوسمة المتعددة، الغائب بجسده والحاضر بموسيقاه المتجددة التي سبقت العصور وتخطت الأزمنة، وبأدائه التمثيلي الذي اتسم بالعفوية.

النشأة
ولد محمد فوزي 15 أغسطس عام 1918، بقرية كفر الجندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، ولد شغفه بالموسيقى وهو ابن الستة أعوام، وتعلم أصول الموسيقى على يد أحد عمال المطافئ يدعى محمد الخربتلي، وكان أحد أصدقاء والده، ويأتي ترتيبه في أسرته الـ21، وكان عددهم 25 أخاً وأختاً، من بينهم الفنانة هدى سلطان.
امتلك فوزي من الإصرار والشجاعة، والإتقان في إنجاز أي مشروع غنائي، وتحمل المسؤوليات المترتبة على ذلك العمل بكل إيجابياته وسلبياته، فكان يمضي نحو هدفه غير عابئ بأضواء الشهرة، حتى سطر اسمه في مصاف كبار الأسماء الذين لا يغيبون عن الذاكرة، وإن غابت عن الحياة.
تعلم الموسيقى والغناء منذ أن كان تلميذاً في مدرسة طنطا الابتدائية، وبدأ بالغناء في الموالد والليالي والأفراح، ولم يكمل دراسته بمعهد فؤاد الأول للموسيقى في القاهرة، حيث أغرته بديعة مصابني بالعمل معها، وفي العشرين من عمره تقدم إلى امتحان الإذاعة مطرباً وملحناً فرسب كمطرب ونجح كملحن.
وبعد 6 سنوات من العمل مع فرقة بديعة مصابني، رشحه الفنان الكبير يوسف وهبي ليمثل دوراً صغيراً في فيلم «سيف الجلاد»، حيث كان يمتلك حساً فكاهياً ووجهاً بشوشاً على الشاشة، واختار له اسم «محمد فوزي» ثم انطلق بعد ذلك مع المخرج محمد كريم في أول بطولة له في فيلم «أصحاب السعادة» وحقق الفيلم نجاحاً لافتاً حتى أصبح نجم شباك.
وبالرغم نجاحه السينمائي، لكن حبه للموسيقى الذي ولد معه كان يداعب حواسه من حين لآخر، وعاود ظهوره الفني كمطرب وملحن على نحو لافت ليضم رصيده الغنائي 400 أغنية متنوعة.

رائد الموسيقى المتجددة
عشق الموسيقى وكرس حياته لها، فبادلته العشق ذاته ومنحته الشهرة التي لطالما حلم بها، وتاريخاً ملهماً للأجيال الجديدة والمتعاقبة، موسيقاه مثلت خلاصة الأساليب الموسيقية، حتى لقبه النقاد بـ«رائد الموسيقى المتجددة» الشابة التي لم يستطع الزمن أن ينال منها.
يعتبر فوزي أول من قام بالغناء للطفل من خلال أغنيتين، سطر بهما الخلود لاسمه بعد الرحيل، فقد كانت ولا تزال أغنياته «ماما زمانها جاية»، «ذهب الليل.. طلع الفجر» الأكثر انتشاراً بين الأطفال.
قام بتلحين النشيد الوطني للجزائر «قسما» الذي كتبه الشاعر مفدي زكريا داخل سجن بربروس في عهد الاستعمار الفرنسي بدمه بعدما تم تعذيبه من طرف الجلاد الفرنسي في الزنزانة رقم 69 عام 1956.
لحن لكبار المطربين والمطربات منها «ساكن في حي السيدة» للفنان محمد عبد المطلب، و«يا أعز من عيني» و«أنا قلبي خالي» للفنانة ليلي مراد، و«لقيته وهويته» لشادية، و«كل دقة في قلبي» للفنانة نازك، ومن أغاني «الفرانكو آراب» التي قام بتلحينها «يا مصطفى يا مصطفى» و«فطومة» و«علي بابا».


مواقف إنسانية وتجارب فنيةلعبت المصادفة دوراً كبيراً في مسيرة فوزي، وذلك حينما تغيبت الفرقة الموسيقية عن الحضور في الاستديو لتسجيل أغنية «كلمني طمني»، اضطر فوزي استبدال الآلات الموسيقية بأصوات بشرية، واعتمد على أصوات «الكورال» لأداء الجمل الموسيقية، وهي التجربة التي وصفها البعض بالجنون، وبمرور الأيام والسنين باتت التجربة الأهم في تاريخ الموسيقى المصرية الجديرة بالتأمل والدراسة.
اشتهر فوزي بين رفاقه داخل الوسط الفني، بمواقفه الإنسانية التي تعكس نبل الفنان بداخله، فكان متعاوناً وداعماً للجيل الجديد آنذاك، ولعلّ أبرز مواقفه مع الموسيقار بليغ حمدي الذي قدمه لكوكب الشرق أم كلثوم، وغيره من الملحنين والموسيقيين الذين وقف بجوارهم في بداية مشوارهم الفني.
«مصر فون» نقطة التحول في مسيرته
في عام 1958 أسس فوزي شركة «مصر فون» لإنتاج الأسطوانات، وأنتجت أغاني لكبار المطربين في ذلك العصر أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما، وكانت الشركة من المشروعات المربحة التي تخدم الفن والاقتصاد معاً، فبعد 3 سنوات من النجاحات المتتالية، تم تأميمها في 1961 وتحولت من «مصر فون» لـ«صوت القاهرة»، وتعيينه مديراً لها مقابل 100 جنيه شهرياً، مما أصابه باكتئاب حاد دفعه للسفر إلى الخارج، فكان ذلك بمثابة حكمٍ بالإعدام عليه، وبعد ذلك أعلنت أسرته عن إصابته بمرض نادر عجز الأطباء عن تفسيره.
وربط البعض مرضه بقصة تأميم شركته، بعد تعرضه للظلم وإقصائه من الحياة الفنية بشكل لا يليق بتاريخه، ليفارق الحياة في 20 أكتوبر عام 1966، وهو في الـ48 مع عمره، في مشهد جنائزي مهيب بحضور كبار نجوم الوطن العربي ورجال السياسة، امتدت مسيرة الجنازة من مسجد عمر مكرم بالتحرير حتى مسجد الحسين، وتمت الصلاة على الجثمان 3 مرات، الأولى في مسجد عمر مكرم والثانية في مسجد الحسين والثالثة في مسجد الكحلاوي بالبساتين، حيث تم دفن جثمان الفنان الراحل.
ولم يتخلف عن الجنازة أحد من أصدقائه الفنانين حتى كبار السن منهم، فكانت وفاته صدمة كبيرة للوسط الفني، فاجعة لم يتحملها صديقه الفنان إسماعيل ياسين الذي تعرض للإغماء حزناً عليه أثناء السير في الجنازة، وأصر يوسف وهبي على وداع فوزي حتى مقبرته، وأُصيب شقيقته الفنانة هدى سلطان بحالة من الذهول. واشترك الفنان محمد الكحلاوي في تلاوة القرآن مع المقرئين على المقبرة.

إسهاماته السينمائية
لم تقتصر إسهاماته وإبداعاته على التلحين والغناء فحسب، فكانت له بصمة واضحة في السينما، بعدما أشاد به الفنان الكبير يوسف وهبي ورشحه للبطولة أمامه في فيلم «سيف الجلاد»، توالت بعدها أعماله الفنية، ليقدم ما يقرب من 36 فيلماً سينمائياً غنائياً، منها «كل دقة في قلبي» و«صاحبة الملاليم»، و«ليلى بنت الشاطئ»، وغيرها من الأفلام التي حققت نجاحاً كبيراً وقت عرضها.
ولم يكتفِ بهذا القدر، فقد شارك في كثير من الأفلام الناجحة بألحانه مثل ألحان فيلم «سوق السلاح»، و«تمر حنة»، و«صراع مع الحياة»، بالإضافة إلى إنتاجه العديد من الأفلام منها «ورد الغرام»، «العقل في إجازة»، و«حب وجنون».
يُعد فوزي من رواد الإنتاج السينمائي بالألوان في مصر، فهو أول من قام بإنتاج فيلمين بالألوان الطبيعية في تاريخ السينما المصرية عام 1951 وهما: «الحب في خطر»، و«نهاية قصة».
زيجاته
تزوج فوزي 3 مرات الزيجة الأولى عام 1943 من السيدة هداية وأنجب منها 3 أبناء هم: المهندس نبيل 1944، المهندس سمير 1946، والدكتور منير 1948، ثم انفصل عنها عام 1952، وتزوج من الفنانة مديحة يسري، وأنجب منها ابنهما «عمرو»، ثم انفصل عنها وتزوج من الفنانة كريمة عام 1960، وانجب منها ابنته الصغرى «إيمان» وظلت هذه الزيجة حتى وفاته.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©