الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

علي يوسف السعد يكتب: الجينات السياحية

علي يوسف السعد يكتب: الجينات السياحية
30 نوفمبر 2021 01:01

السفر متعة لا تضاهيها متعة، أن تمتلئ رئتاك بأجواء جديدة كل يوم هذا هو المعنى الحقيقي للحياة، التغيير والتجدد وإشباع الفضول الكائن فينا تجاه الأشياء المختلفة التي يزخر بها عالمنا، الالتحام مع مجتمعات مغايرة لما عهدناه، تأمُّل سير الناس وسلوكهم، العودة إلى البرية ومتابعة الكائنات الحية من قرب.. كل هذا وأكثر يوفره السفر، لذلك لماذا لا نحبه؟ 
حبك للسفر هو أشبه تماماً بحبك للتجدد، فالاعتياد كما يقولون قاتل للشعور، بمعنى رؤيتك للأشياء نفسها كل يوم يقتل جمالها في ذاتك، لا بد من غياب عنها، انقطاع ولو بسيط، ترحال لبلد بعيد أو قريب، ثم عودة إلى موضعك مجدداً وأنت تحمل في ذاتك رؤية مغايرة وتجارب مفيدة ألممت بها من تعاملك مع آخرين لم تلتقِ بهم من قبل.
أبناؤك هم الآخرون يحبون السفر مثلك؟ هذا طبيعي جداً، فالسفر يُحَب لذاته من دون حاجة لجينات، تخيل أن تفتح عينيك على أماكن متنوعة ومختلفة، هذا أمر لا يعارضه أحد، بل على العكس يحبه معظم الناس، لكن من جهة أخرى الجينات لها أثر بالتأكيد في تشكيل طبائعنا ودفعنا للميل صوب أشياء بعينها والتي من ضمنها السفر، هذا أمر علمي وموثق، وأياً يكن منبع حب أبنائنا للسفر، فالمهم أنهم كذلك، والأخذ بأيديهم على هذا الطريق، وتحقيق أمنياتهم في زيارة الأماكن التي يحبونها هو أمر يجب الاهتمام به.
من الجيد الاستثمار في حب أبنائنا للسفر، أقصد هنا الاستثمار التربوي بمعنى أن السفر بمثابة دروس في الحياة نتعلمها من كل المظاهر التي نقابلها في سفراتنا المختلفة، فذلك الفلاح المقبل على حقله بشغف ورضا يمكننا أن نتعلم منه القناعة وحب العمل، وذلك الصبي الذي يجتاز أخطاراً طبيعية داهمة حتى الوصول إلى مدرسته يمكننا أن نتعلم منه أهمية العلم وضرورة اجتياز كل العقبات في سبيل التعلم، ومجتمعات النحل والنمل المنظمة والمتكاملة نحو تحقيق غاياتها يمكن كذلك أن نتعلم منها الكثير.
في السفر يمكن أن نرى الكثير من الجوانب الترفيهية، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فهو يزخر بكثير من الجوانب الأخرى التعليمية كما سبق وأوضحنا، وكذلك اقتصادية برؤيتنا لأفكار جديدة وابتكارات مختلفة يمكن نقلها وتطبيقها في بلداننا والاستثمار فيها. وكذلك يتضمن السفر جوانب استفادة كثيرة من الاستفادة الروحية، فأنت تولد من جديد مع كل سفر، أنت تتجدد وتنفتح على تأملات وأفكار لم تكن لتراها بدون هذا السفر وبدون هذا الاسترخاء والانفصال.
إن أولادنا أمانة في أعناقنا، وتربيتهم على فضيلة السفر من الأمور المهمة والمؤثرة فيهم طوال حياتهم، بالسفر نوسع آفاقهم ونهديهم إلى الانفتاح على ثقافات جديدة، نهديهم إلى التسامح والتعايش وتقبل الآخر، نعرفهم أننا لسنا وحدنا على هذه الأرض، بل يشاركنا الحياة مليارات من البشر، فضلاً عن أعداد أخرى لا تحصى من الكائنات الحية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©