الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

إرث الأجداد.. بانوراما الحواس

مظاهر من الحياة الاجتماعية قديماً
28 نوفمبر 2021 02:21

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

المتجوِّل في مهرجان الحصن، الحدث السنوي والمنصة المثالية التي تحتفي بتراث الإمارات وثقافتها المعاصرة، يشعر وكأن الزمن توقف به في هذه المنطقة النابضة بحراك مجتمعي لافت، ليعيده بكل حواسه عقوداً إلى الوراء في مشهدية تضعه أمام ممارسات عاشها الأولون واستخدموها في يومياتهم. يقدمها حرفيّون حضروا إلى موقع المهرجان لإظهار مهاراتهم، مصدر اعتزازهم، ضمن تصاميم وزِّعت بين دكاكين سعف النخيل و«السكيك» وصولاً إلى محال الحدادة وصناعة الفخار والمدرسة القديمة وبيت الزهبة وسواها.
على أرض المهرجان السنوي الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي حتى 4 ديسمبر المقبل، في منطقة الحصن، ويتضمن باقة من الفعاليات الثقافية والعروض الفنية والموسيقية والسينمائية ومنصّات تحتفي بالثقافة والتراث، مفردات تخاطب الحواس وتصوِّر الحياة القديمة المفعمة بالأصالة. وتتوزع هنا وهناك، ملابس شعبية مطرزة بخيوط الفضة، مشغولات الخوص، جِرار الطين لحفظ المياه، أواني الطعام والشراب والضيافة، أكسسوارات وعطور وبخور، جلسات خارجية تضج بالأحاديث، ومسرح مفتوح على آفاق عصرية يمتزج معها الماضي بالحاضر والمستقبل في بانوراما اجتماعية لافتة. وكل ذلك يتجسَّد هنا بعرض حي لطبيعة المهن وحركة البيع والشراء والصناعات المستخرجة من مواد طبيعية تلهم الجميع بأهمية الدراسة التاريخية لعلاقة أبناء الوطن بالبيئة المحلية، وكيفية استثمارها فيما يحتاجون إليها وأوجه استخدامها وما يرتبط بها من عادات وتقاليد. 

  • راشد العنتلي يطوِّع الحديد
    راشد العنتلي يطوِّع الحديد

5 آلاف سنة
من اللافت جلوس راشد عبدالله أحمد الخديم العنتلي، وأخيه محمد في محل الحدادة بمهرجان الحصن، خلف معدات كاملة ليرويا قصة مهنتهما التي ورثاها عن الأجداد كوسيلة لكسب الرزق ويعيدا إحياءها في ذاكرة الزوار. ومحل الحدادة الذي تحمل ملامح جدرانه آثاراً سوداء بتصميم مبهر، تجذب الناس للتعرف على حرفة مارسها الأسلاف، حيث تمتزج الحرارة بالخبرة والقوة والدقة، في صناعة الكثير من الأدوات اليومية التي تُستخدم في المطبخ والزراعة والأسلحة، حيث تحوَّل المعادن غير المعالجة بأساليب ومهارات تاريخية تعود إلى 5 آلاف سنة. 

  • شغف طفلة بمهنة الأجداد (الاتحاد)
    شغف طفلة بمهنة الأجداد (الاتحاد)

سيوف
وبينما كان يعمل بيديه على صهر أسلاك حديد على نار متوهجة، قال راشد: تعلمت الحدادة كهواية ثم اتخذتها كمهنة أمارسها منذ سنوات طويلة، وقد تعلمت منها الصبر والقدرة على تشكيل الأدوات ببراعة متحدياً التكنولوجيا والآلات الحديثة. وذكر أنه لا يعترف بمنافسة الآلة، مبدياً استعداده للمقارنة بين مشغولاته والصناعات الحديثة، مشيراً إلى صناعة سيف «المرعد» الليِّن الطائع والقوي، الذي لا يمكن كسره. وأضاف: أصنع سيوفاً ذات جودة عالية، منها سيف «الكتارة» الذي يتخذ شكل الهلال، وسيف «المرعد» المستقيم الذي يتميز بالقوة رغم ليونته، إذ يمكن طيّه من دون أن ينكسر، بعكس السيوف المصنوعة بالآلة. 

  • تفاعل الأطفال مع صناعة الفخار (تصوير: عادل النعيمي)
    تفاعل الأطفال مع صناعة الفخار (تصوير: عادل النعيمي)

أدوات ونقوش
ومن الأدوات المفعمة بالجمال التي يصنعها راشد العنتلي، مطوعاً بشغف الحديد والنحاس وباقي المعادن، السكاكين المنقوشة بمختلف أشكالها وأحجامها وأدوات الزراعة، موضحاً أن حرفته تتحدى المنافسة في السوق، لافتاً إلى أن زبائنه من عشاق الجودة، وهم يدعمونه وأخاه ليحافظا على مهنة الأجداد من الاندثار. وذكر أنهما لا يكتفيان بصناعة الأدوات، وإنما يبتكران أشكالاً منقوشة، ويصنعان لكل سكين أو سيف، غمداً من الخشب بجودة عالية. وأوضح أن «الحدادة» فن قائم بذاته، بحيث يتم صهر المعادن لتشكيل القطع والمستلزمات، باستخدام أدوات خاصة، منها السندان، المطرقة، الفأس، الكلاّب، المنشار، القالب، الشفك، المثقاب والمسّن، وأدوات أخرى خاصة بالنقوش والزخرفة. 

  • أدوات الماضي
    أدوات الماضي

مهنة تاريخية
صناعات كثيرة تظهر كيف أن الأوّلين امتلكوا إمكانية التفاعل مع المواد، ولوحات بصرية جاذبة ومشاهد حقيقية لأناس عشقوا مهنهم وجاؤوا لمشاركة شغفهم مع زوار المهرجان، منها صناعة الفخار التي تعكس مهارة الحرفي الإماراتي. وبينهم سعيد محمد الشحي الذي ورث مهنة الفخار عن أجداده، قائلاً: أعمل على تحويل كتلة من الصلصال لأصنع منها مدخناً أو وعاءً لحفظ المياه أو طبقاً أو مزهرية أو منحوتة، وهذه الحرفة تشكِّل انعكاساً للمخزون الفطري لأهل المنطقة في استثمار خيرات الطبيعة. وتحدث عن سعادته بالمشاركة في مهرجان الحصن وفخور بما يقدمه وما يجده من تفاعل، ولا سيما من قبل الأطفال، موضحاً أنه يسهم في تعزيز هذا الإرث، إذ إن صناعة الفخار من الصناعات القديمة قِدم التاريخ، وهي تعبر عن طريقة عيش الشعوب في مختلف الحضارات.

أخضر وأحمر
وبشرح تفصيلي، ذكر الشحي أن صناعة الفخار تمر بعدة مراحل، منها جلب الطين الخام، الذي ينقسم إلى نوعين: أخضر وأحمر، يجلبه من قمم جبال رأس الخيمة، ويعمل على دقه وغربلته ليصبح ناعماً، ثم يتم تحويله إلى عجينة تُسمى «غيلة» بمزجها بقدر من الماء، لتشكيل ما يرغب به من أدوات، وبعدها يتم طهيها في المحرقة بطريقة تقليدية على درجة حرارة عالية لتصبح جاهزة للاستعمال.
ويستعين الشحي في معرضه الحي أمام الزوار بعدة أدوات لصناعة الأوعية والمداخن والدِلال، منها ما يشبه عجلة خشب صغيرة، وهي القطعة الرئيسية في آلة صنع الفخار، ومعدات أخرى كالخيوط وقطع القماش والخشب، بحيث تساعده على إزالة الزوائد من الفخار قبل تجهيزه أو تزيينه وزخرفته.

أجندة ثقافية
يُمثل مهرجان الحصن عنصراً أساسياً في الأجندة الثقافية لدولة الإمارات، حيث يحتفي بتراثها وحرفها اليدوية ويعرضها إلى جانب الأنشطة الفنية المعاصرة، وتنسجم أهداف المهرجان مع رؤية «الثقافة والسياحة» المتمثِّلة في حماية تراث الإمارة والحفاظ عليه وتعزيزه من خلال الفعاليات التي ترسخ مكانة أبوظبي كوجهة ثقافية متميزة، إلى جانب مساهمة المهرجان كمنصّة لعرض التجارب الفنية ومشاركة الجمهور.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©