السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: أبواب الضحك الموصدة

د. شريف عرفة يكتب: أبواب الضحك الموصدة
18 سبتمبر 2021 00:07

أحب الفنان خفيف الظل «أحمد أمين» وتعجبني ثقافته التي تنعكس في لقاءاته الإعلامية.. لذا تابعت في اهتمام حواراً أجري معه مؤخراً، سئل فيه عن سبب انحسار الكوميديا في العالم.. فقال: إن السبب يعود إلى تفتت مرجعيات الجمهور.. فقديماً، كان أغلب الناس يتشاركون تفاصيل حياة متشابهة، إذ يشاهدون نفس الأفلام ويتابعون نفس المسلسلات.. وهو ما وفر مادة خصبة للكوميديا، بتتناول الموضوعات المألوفة التي يعرفها الناس.. فلن يفهم أحد نكتة تتناول موضوعاً لا يعرفه.. لكن في العصر الحديث، شرذمتنا صفحات «السوشيال ميديا» وترشيحات «اليوتيوب» ومنصات المشاهدة، ليعيش كل منا في فقاعته الخاصة التي تحتوي تفضيلاته ومرجعياته الخاصة.. لم يعد وجداننا الجمعي واحداً، لدرجة أن كل فرد في الأسرة أصبح يتابع أعمال فنية مختلفة وتضحكه قفشات لا يعلم عنها الجالس بجواره شيئاً.. 
هذا الكلام يعطي تفسيراً وجيهاً بالطبع.. ويمكن أن نضيف عليه أن المشاعر الإيجابية عموماً، أكثر صعوبة في إثارتها من المشاعر السلبية التي تعتبر أكثر تجذراً في النفس الإنسانية.. الخوف والغضب والحزن والاشمئزاز، انفعالات غريزية صريحة فجة يعرفها كل إنسان على سطح الكوكب حين يراها.. إنها مشاعر كونية، مرتبطة بألم ومعاناة الكر والفر والصيد ومشقة الحياة البدائية التي تشكل أغلب عُمر الإنسانية.. بينما المشاعر الإيجابية نادرة خافتة، أقل وضوحاً وأكثر تعقيداً من كونها استجابات غريزية فورية.. فأنت في حاجة إلى أن «تفهم» النكتة كي تضحك.. لكنك تخاف - فوراً - من رؤية عنكبوت مشعر يقترب منك، دون حاجة للفهم، بل حتى إن عرفت أنه غير ضار!
المشاعر الإيجابية حديثة في عمر التطور البشري، لذلك من الواضح جداً أنها لا زالت تتطور وتتغير وتتشكل مع العصر.. ما يضحك قديماً قد يكون سخيفاً اليوم.. لو قرأت تحليل سيجموند فرويد لأجمل النكات في عصره، ستجدها شديدة السخف وثقيلة الظل بمقاييسنا اليوم..
المشاعر الإيجابية أكثر ارتباطاً بثقافة البشر..لذا تختلف باختلاف الحضارات والبلدان..
الشعور awe في الانجليزية مثلاً، هو ما تشعر به وأنت تشاهد استعراضاً فنياً مبهراً، أو أداءً رياضياً متقناً، منظراً طبيعياً مدهشاً، أو عند حضور مراسم وطقوس أو ترانيم أو إنشاد ديني مهيب.. فهل هذا اللفظ ينطبق على ثقافتنا العربية؟ هل ما تشعر به وأنت تتأمل الأداء المبهر في الأوليمبياد، هو ذاته ما تشعر به وأنت تستمع لإنشاد النقشبندي مثلاً؟ عندنا فرق بين الرهبة والانبهار والخشوع، لكن هذا مضروب في الخلاط ليصبح في الإنجليزية Awe.
عندك أيضاً، شعور «السلطنة» الذي يصفه من يستغرق في سماع موسيقى شرقية كأغان «أم كلثوم» مثلاً.. هل يشعر الغربيون به عند الاستماع لموسيقاهم؟ أم أنه «شعور شرقي» بامتياز؟
خلاصة ما أرمي إليه، هو أن الضحك صعب في الأساس.. تتغير مثيراته باستمرار ما يجعل الكوميديا مهمة شاقة صعبة تتطور بتطور أمزجة الناس.. كما أن السخرية دليل ارتقائنا العقلي، لأنها تعكس قدرتنا على تغيير منظورنا الشخصي لرؤية مفارقات الحياة.. بالإضافة لكونها من أرقى الدفاعات النفسية التي تعيننا على تجاوز الصعوبات وتحسين صحتنا النفسية والجسدية..
لذلك، فإن من ينتجون الفنون المختلفة، يقومون بعمل لا يقل أهمية عن أي عمل جليل يخطر ببالك، لأن صاحب العمل الجليل هذا، يعود لبيته ليشاهد كوميديا «أحمد أمين» كي يخفف عناء يومه الشاق.. أو يريح ذهنه بألحان تثير شعور «السلطنة» الذي لا يعرف عنه الغربيون شيئاً!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©