الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«بعد الكارثة».. أميركا في قفص الاتهام

«بعد الكارثة».. أميركا في قفص الاتهام
11 سبتمبر 2021 00:22

محمد وقيف 

قبل عشرين عاماً، تعرضت أميركا لهجمات أدت إلى كوارث. ففي غضون أقل من 18 شهراً، لم تنخرط الولايات المتحدة في حرب واحدة فحسب، وإنما في حربين غير ضروريتين، ومثلما اتضح لاحقاً غير قابلتين للحسم. واليوم، وبعد أن خاضوا أطول حرب في تاريخهم، ينسحب الأميركيون من أفغانستان، ومن العراق أيضاً، مع إعلان الرئيس جو بايدن سحب آخر جندي مقاتل. ليتُرك بذلك البلدين ليواجها مصيريهما بأنفسهما، أو في حالة فوضى، حيث المنتصر الحقيقي في الحالتين هو أطراف أخرى وليس الولايات المتحدة على أي حال. والحال أن قلة قليلة من القوى العظمى في التاريخ منيت بمثل هذين الإخفاقين. 
بيد أن هذه المشاكل أدّت على الأقل إلى مزاج جديد من التفكير والتأمل بشأن تاريخ أميركا ودورها في شؤون العالم. واللافت أن أكثر الانتقادات نفعاً لم يكن مصدرها اليسار الليبرالي أو الوسط الضعيف «والمتورط أصلاً في الملفات موضوع الحديث». فالقليل من النقاد كانوا أكثر دقة في وضع الأصبع على مكمن الخلل، ومن هؤلاء آندرو بيسيفتش، وهو كاثوليكي محافظ كان ضابطاً في الجيش الأميركي وشارك في الخدمة العسكرية خلال حرب فيتنام وحرب الخليج الأولى 1991.. في تباين قوي مع منظّري الكراسي الوثيرة والمكاتب المكيّفة في واشنطن. وكانت مهمته الأولى والأسهل في كتاب «بعد الكارثة» هو نقد الإخفاقات وعرض أسماء السياسيين والصحفيين الذين أيّدوا حرب العراق وقتئذٍ.
وفضلاً عن ذلك، يتأمل بيسيفتش التقليد الطويل والغريب لـ«الاستثناء الأميركي»، كما يصطلح عليه. والمقصود به تلك الفكرة التي تقول إن الولايات المتحدة بطبيعتها مختلفة عن الدول الأخرى، وبأن قيمها ونظامها السياسي وتطورها التاريخي فريد من نوعه في التاريخ البشري، وغالباً مع فكرة ضمنية مؤداها أن البلد «مكتوب عليه لعب دور متميز وإيجابي على الساحة العالمية ومؤهَّل لذلك».
ولتوضيح فكرته أكثر، يشبّه بيسيفيتش مهمته بمهمة مارك بلوتش، المؤرخ الفرنسي الذي خدم ضابطاً في الجيش الفرنسي في حربين، قبل أن يقبض عليه ويُعدم من قبل الألمان عندما كان يعمل في صفوف المقاومة الفرنسية. وفي كتابه المتميز «هزيمة غريبة»، حاول بلوتش تفكيك أسباب انهيار بلده الكارثي في عام 1940، فكتب يقول، إن فرنسا كان يحكمها رجال «تربوا في مستنقعات عقلية»، مضيفاً أن كل أخطائهم «كان سببها تعاليم التاريخ الخاطئة»، وهو ما ينطبق تماماً على حال أميركا الآن ولفترة طويلة في الماضي، وفقاً لما يقول بيسيفتش.  «ومثلما أن السردية الداخلية التي تجنح إلى تهنئة الذات تركّز على التوسيع الحتمي للحرية «من البحر إلى البحر»، يكتب بيسيفتش، «فإن سردية أميركا في الخارج تركز أيضاً على نشر الحرية إلى أقاصي الأرض»، مشيراً إلى أن وصف أميركا لسياستها الخارجية، «أقل ميلاً من السردية الداخلية إلى فسح المجال للغموض والتناقض». وهو يتحاشى «موضوعات مزعجة، مثل الإمبريالية والنزعة العسكرية والقتل على نطاق واسع لغير المحاربين». كما يجد تنافراً بين الخطاب والواقع حتى في «الحرب الجيدة» قبل 80 عاماً، والتي لم تكن بأي حال من الأحوال جيدةً لكل الأميركيين أو لكل البلدان.  
ولعل الشيء الذي فشل الأميركيون في الإقرار به كلياً هو ما يمكن وصفه بـ«عجز القوى العظمى». ففي أوج الحرب الباردة، تواجهت قوتان عظميان كانت كل واحدة منهما مدججة بتشكيلة ضخمة من الرؤوس النووية. وكان يبدو أن أي بلد آخر لا يمكن أن ينتصر على أي منهما. لكن ما الذي حدث في الواقع؟ لقد تعرض الأميركيون للإذلال في فيتنام على أيدي جيش من الفلاحين، وأُذل الروس في أفغانستان على أيدي مقاتلين غير نظاميين. وفي كلتا الحالتين، كان التأثير على الثقة في الذات الوطنية خطيراً جداً. فالمغامرة الأفغانية دمّرت معنويات «الجيش الأحمر» قبل أن تسرّع انهيار الاتحاد السوفييتي، وبحلول السبعينيات، كان بالإمكان وصف الجيش الأميركي في فيتنام بالكلمات التي استخدمها جنرال إنجليزي من القرن الثامن عشر لوصف حال جيشه: «في حالة من التفكك تجعله مرعباً للجميع سوى العدو».  واليوم، ما زال لدى أميركا عدد ضخم ومذهل من القواعد العسكرية عبر العالم في نحو 80 بلداً، مما يجعلها إمبراطورية حقيقة لا تغيب عنها الشمس، ويواصل المركّب الصناعي العسكري جهوده لصنع مزيدٍ من أنظمة التسلح الجديدة (وباهظة التكلفة على نحو خرافي) من دون هدف واضح. وكما يقول بيسيفتش، وهو العسكري السابق، فإن ذلك قد يكون أولى بقطع التمويل عنه من الشرطة (مثلما تدعو إلى ذلك بعض الأصوات المحسوبة على اليسار). كما يوصي بانسحاب أميركي تدريجي من حلف «الناتو»، الذي صار هدفه غامضاً منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها. 
كتاب «بعد الكارثة» يطرح منظوراً جريئاً من عسكري وأكاديمي أميركي مخضرم، بشأن كيف يجب على السياسة الخارجية الأميركية أن تتغير من أجل مواكبة عالم القرن الحادي والعشرين المتغير، باسطاً مبادئ جديدة لتوجيه القوة العظمى التي لم تعد وحيدةً في وقت تمخر فيه عباب عالم متحول. 

الكتاب: بعد الكارثة.. دور أميركا في عالم متغير
المؤلفة: آندرو بيسيفتش
الناشر: ميتروبوليتان بوكس
تاريخ النشر: يونيو 2021

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©