الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: معضلة الحرية

د. شريف عرفة يكتب: معضلة الحرية
4 سبتمبر 2021 01:33

رغم تفاوت المجتمعات في تقديرها لقيمة الحرية - وهو ما نراه واضحاً في مسح القيم العالمي - إلا أنها غريزة أساسية لدى البشر باختلاف مقدارها وتعريفها.
فالمجرمون تسلب حرية تنقلهم كنوع من العقاب.. بل حتى الحيوانات تضطرب حين تعيش في الأسر.. إنكار الحرية - كقيمة إنسانية عليا - ما هو إلا عجز عن رؤية العالم من منظور الآخرين لإدراك حقهم فيها. فمهما كان الشخص تقليدياً مغالياً في إنكار حق اختيار أسلوب حياة مختلف، إلا أنه يقدّر حريته في الاختيار وينزعج إن سلبها منه أحد! هذا حقي وليس من حق الآخرين، فقط لمجرد أنني أنا!
حسب نظرية «تقرير المصير» لـ «ديسي ورايان»، فإن كل إنسان يحتاج للشعور بقدر من الاستقلالية في اتخاذ قرارات حياته.. ففي التجارب النفسية، تجد أن إنتاجية الموظفين تزداد حريتهم في اختيار كيفية ممارسة تفاصيل عملهم بالطريقة التي تناسبهم بدلاً من فرضها عليهم.. وكبار السن في دور الرعاية تتحسن صحتهم الجسدية، بمجرد إعطائهم حرية اختيار أمور مثل وجبة اليوم ووقت التريض المناسب وكيفية ترتيب أثاث الغرفة.. الحرية تحسن الصحة، حسب هذه التجربة الشهيرة لـ «إلين لانجر»!
إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة.
تعدد خيارات الحياة أكثر من اللازم، أمر منهك نفسياً.. حين تذهب لمتجر الآيس كريم الذي يحتوي ألف نكهة.. أومتجر القهوة الذي يعرض لك ألف نوع.. أو قائمة المطعم التي تحتوي ألف صنف.. ستجعلك مضطراً لبذل مجهود ذهني أكبر في تفاصيل غير ذات أهمية.. بالإضافة لتراكم الشعور بتفويت الفرص الجيدة، لأنك لم تأخذ وقتك الكافي في دراسة كل هذه الخيارات الصعبة.. ماذا لو كان الكورتادو أفضل من الماكياتو؟ هل اتخذت القرار الصحيح حقاً؟
بالإضافة إلى ذلك، فإن المغالاة في تقدير قيمة الحرية الفردية دون اتزان مع القيم الأخرى، ليس أمراً جيداً من الناحية العملية.. ماذا لو قررت مثلاً عدم الذهاب للعمل.. أو اخترت سرقة السلعة التي لا تملك ثمنها.. أو فضلت الاعتداء على الشخص الذي لا يعجبك! هذه قرارات تعكس حرية أكبر.. لكن الإنسان السوي، لا يفعل هذا لأن هناك قيماً أخرى تعادل قيمة حريته الفردية، مثل توسيع قاعدته الأخلاقية لتشمل الآخرين، ما يجعله يلزم نفسه بتقييد حريته إن تعدت على حقوق الآخرين.
كما أن أي نجاح في الحياة يتطلب تقييداً لحريتك في فعل أمر جذاب.. النجاح المهني يتطلب تضحية بالكثير من وقت الفراغ.. خفض الوزن يتطلب تقييداً لحريتك في أكل الطعام الذي تشتهيه.. نجاح الزواج يحتاج تقييداً لحريتك في التطلع لنساء أخريات.. والأمثلة لا تحصى..
ما يعطي حياتنا معنى ويجعلها أكثر سعادة، هو إحساسنا بالواجب تجاه شيء ما، يبرر معاناتنا ويهون الصعوبات والعثرات التي ستصادفنا حتماً.. دون الإحساس بالواجب ووجود غاية، فإن قيمة الحرية لن تقيك - وحدها - الشعور بالخواء وانعدام المعنى عند أول أزمة وجودية تواجهك!
الشعور بالواجب ووجود قيم ذاتية أكبر من مصالحنا ذاتية، أمر ضروري لاتزاننا النفسي.. لدرجة أن عالم النفس الشهير فيكتور فرانكل كان يقول: إن «تمثال الحرية» لا يكفي، بل ينبغي بناء تمثال آخر في الساحل الغربي للولايات المتحدة.. يدعى «تمثال المسؤولية»!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©