الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

المخدر الرقمي.. نغمات قاتلة

المخدر الرقمي.. نغمات قاتلة
4 سبتمبر 2021 01:43

ساسي جبيل (تونس)

في عصر الأزرار والوسائط التكنولوجية.. 
العالم الافتراضي أصبح عنوان المرحلة..
التواصل المتاح مع الجميع يجعل الجميع مخترقاً بشكل إلكتروني.. والنتيجة تجاوزت علاقات القرب عالم القرية الصغيرة لتصبح عالم البيت الواحد.. 
بيت الوسائط الإلكترونية الذي ألغى كل الوساطات التي كانت سائدة.. وقلّص كل المسافات، وشمل ذلك المجالات كافة دون استثناء، ليظهر ما يسمى بـ «المخدر الرقمي»، كداء جديد يمثل خطراً جاثماً لا يقاوم، وله شبكات في كل مكان لزرع مرض عضال في مفاصل المجتمع، وهو الداء الذي استغلته شبكات المافيا عبر العالم لزرع السموم داخل المجتمعات، ونجحت في ذلك إلى حد ما، في ظل غياب الرادع وعدم تقنين هذه التجارة القاتلة التي تبدأ بالاستقطاب، وتنتهي بالاستنزاف المادي والموت البطيء. 

رحلة النشوة والاستمتاع.. 
اختلي بنفسك في غرفتك.. 
أغلق الأبواب والنوافذ وأسدل الستائر.. 
عصب عينيك.. 
تمدد على السرير وأخرج سماعات الأذنين.. 
وانطلق في رحلة النشوة والاستمتاع... 
هكذا تنسى من حولك وتخرج من طورك، لتعيش حالة أخرى مختلفة عن السياق الذي تعيش..
إنه القتل الممتع بوساطة التكنولوجيا المتطورة التي أصبحت تحكم عالم اليوم.. قد يبدو الأمر بسيطاً في الظاهر، لكنه من الخطر بمكان حتى إنه يؤدي إلى قتل الخلايا والانتحار البطيء. قدر الإنسان في هذا العالم المتقلب والمتصل الأجزاء بشكل غير مسبوق أن ينتهي إلى ما كان إلى زمن قصير أمراً غير منتظر، فالمخدر الرقمي اخترق المجال وبات اليوم حقيقة واضحة للعيان، وجريمة مركبة تركيباً شيطانياً بطلاسم لا يستطيع إنسان اليوم أن يفك رموزها أو يوقف نزيفها، والخوف كل الخوف أن تتعطل بوصلة الأجيال القادمة كلياً، إذا أصبح الخطر في متناول الجميع، وبحفنة قليلة من الدولارات تغنم مافيا عالمية مليارات الدولارات بعيداً عن المتابعة القانونية.

النغمات القاتلة 
المخدر الرقمي هو ما يُطلق عليه اسم «Digital Drugs» أو «iDoser»، يتمثل في مقاطع نغمات يتم سماعها عبر سماعات بكل من الأذنين، بحيث يتم بث ترددات معينة في الأذن اليمني وترددات أقل إلى الإذن اليسرى. 
ونشأت هذه «المخدرات الرقمية»، على تقنية قديمة تسمى «النقر بالأذنين»، اكتشفها العالم الألماني الفيزيائي هينريش دوف في عام 1839 واستخدمت لأول مرة عام 1970 لعلاج بعض الحالات النفسية لشريحة من المصابين بالاكتئاب الخفيف، أو تستخدم في حالة المرضى الذين يرفضون العلاج السلوكي عن طريق الأدوية، ولهذا تم العلاج عن طريق ذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج، كما أنها استخدمت في مستشفيات الصحة النفسية، نظراً لأن هناك خللاً ونقصاً في المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين، ولذلك يحتاج المريض النفسي إلى استحداث الخلايا العصبية وإفرازها تحت الإشراف الطبي، وتكفي بعض الثواني لإذهاب العقل ما جعل الأطباء لا يكثرون من استعمالها، ويكتفون بثوان في اليوم الواحد.

بدائل متاحة
استطاع الإنسان أن يصل اليوم لمعرفة نتائج تعاطي المخدر التقليدي المعروف والمتداول في عالم اليوم على أوسع نطاق، والذي بات يمثل تجارة مربحة لعصابات المافيا في مختلف أصقاع العالم، لكن ابتكار طريقة جديدة للمخدر تنسجم مع روح العصر ولا تشكل خطراً كبيراً على عصابات المافيا يجعل الاختراق أقل ضرراً للمتسبب فيه، وأكثر خطراً على الفاعل، فابتكار طريقة جديدة يجعل المدمن اليوم يصل إلى الهلوسة وما شابه من كوابيس دون تعاطي المخدر التقليدي المعروف، إذ يصل بشكل مباشر إلى النتيجة نفسها بآليات مختلفة، إذ لم يعد الأمر مرتبطاً بتعاطي مادة مادية مخدرة، بل يتجاوزها بوسائط إلكترونية بحتة، أصبحت اليوم متوفرة في كل الفضاءات العامة، ولم يعد تعاطي المخدر بالحقن أو الاستنشاق أو البلع، بل أصبح الخطر مضاعفاً بالوسائط التقنية الإلكترونية، فعبر سماعات بكل من الأذنين يتسلل المخدر إلى الذهن ويخرجه من طور إلى آخر يعيش فيه الإنسان حالة غير مستقرة، حيث يتم بث ترددات معينة في الأذن اليمنى مثلاً وترددات أقل إلى الأذن اليسرى، فيحاول الدماغ جاهداً أن يوحد بين الترددين للحصول على مستوى واحد للصوتين، إذ تؤثر الإشارات الكهربائية العصبية التي ترسلها الأصوات، وهو ما يجعل الإدمان عليها حالة مستعصية فعلاً، باعتبار أنه يمكن علاج الإدمان على المخدرات التقليدية، لكن المخدرات الرقمية علاجها صعب إلى حد ما. 

مافيا 
حسب موسوعة ويكيبيديا، مصطلح مافيا يستخدم لوصف نوع من «عصابات الجريمة المنظمة» التي تمارس الحماية بالابتزاز في المقام الأول، استخدام الترهيب العنيف للتلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي، وبخاصة الاتجار غير المشروع. ويمكن أن تمارس أنشطة ثانوية، مثل الاتجار بالمخدرات والقروض بفوائد مرتفعة والتزوير، وترتبط عصابات المافيا بميثاق شرف، ولا سيما ميثاق الصمت «أو omertà في جنوب إيطاليا»، يحمي المافيا من التسللات الخارجية وتدابير إنفاذ القانون. والتصق المصطلح بالمافيا الصقلية، ولكن التسمية توسعت لتشمل غيرها من الأساليب والمنظمات المماثلة، مثل «المافيا الروسية»، أو «المافيا اليابانية» وغيرها. 
وتنشط مافيا المخدر الرقمي اليوم عبر مواقع متخصصة تقوم ببيع هذه النغمات على مواقع الإنترنت؛ إذ لا توجد رقابة رسمية عليها في الوقت الحالي، حيث يتم ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً مقابل القليل من الدولارات، واستغلت عصابات الجريمة المنظمة والمتاحة إلكترونياً إلى ترويج هذا النوع من المخدر المذهب للعقل، إذ إن ترويجها مرتبط بالوسائط الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المتاحة لأي كان في أيامنا، ما يقلل من خطرها القانوني على المروج الذي سوف يوصل بضاعته إلى المستهدف دون أن يتواصل معه بشكل مباشر، مما يجعل الأمر بسيطاً وغير مكلف، ولا يحتاج إلى تنقل أو تواصل مباشر مع الحريف، فبانعدام الرقابة على هذه الوسائط والوسائل يصبح بإمكان عصابات المافيا المنظمة اختراق الأنظمة الأمنية كافة، كما يشجع الأشخاص في مختلف أنحاء العالم إلى الكسب السريع الذي يعتبر مشروعاً إلى حد ما في غياب الرادع، وفي عدم سن قوانين زجرية في هذا المجال. 

لا قانون يجرم الاستماع
تروّج العصابات المنظمة للمخدرات الرقمية من خلال عدة مواقع إنترنت تسوقها على أنها آمنة وشرعية، إذ لا يوجد قانون يجرّم الاستماع إلى ملفات صوتية في أي دولة حول العالم، وهذه المواقع توفرها عبر عدة منصات مختلفة، بدءاً من تطبيقات للهواتف المحمولة وحتى برامج تعمل على «ويندوز» و«ماك» وملفات صوتية أخرى، وتتوافر هذه المواد الرقمية على المواقع الإلكترونية بعدة أسعار وجرعات، حسب الشعور الذي تود الحصول عليه، ويوجد ملفات قصيرة مدتها ربع ساعة، ومنها ما يصل إلى حدود الساعة من الزمن، كما أن بعض الجرعات تتطلب منك الاستماع إلى عدة ملفات تمت هندستها لتسمع وفق ترتيب معين حتى تصل إلى الشعور المطلوب بشكل تدريجي، مما يضاعف درجة التحايل من مافيا هذا النوع من المخدرات الذين يعتمدون طرقاً جهنمية في الإيقاع بضحاياهم تدريجياً. وعادة الموقع في البداية عينات مجانية يمكن الاستماع إليها، وبعدها عليك طلب الجرعة الكاملة، وتتراوح الأسعار ما بين 3 دولارات لتصل إلى 30 دولاراً، وأحياناً أكثر، وإن لم تعجبك مكتبة المخدرات المعروضة للبيع سلفاً، يمكنهم مساعدتك لقاء 100 دولار بتصميم الجرعة الخاصة بك للوصول إلى شعور معين تصفه لهم.

ينافس إدمان كحوليات ومخدرات
الباحث الأنتروبولوجي والمؤرخ الدكتور عبدالواحد المكني رئيس جامعة صفاقس التونسية، والمختص في التاريخ الاجتماعي المعاصر والأنتروبولوجيا التاريخية والثقافية، أكد لـ «الاتحاد الأسبوعي» أن الإدمان الرقمي ظاهرة يمكن وصفها بـ «ثورة السبابة... سبابة الإدمان».
وقال: من موقعي كمختص في الأنتروبولوجيا الثقافية والاجتماعية، أعتبرها ظاهرة عادية لأن كل الثورات التقنية والتكنولوجية في العالم رافقت منافعها جملة من المضار، وهذا حدث مع ثورة البخار والحديد والأتوماتيكا، ويحدث اليوم مع الثورة الإلكترونية الرقمية التي قسّمت العالم إلى نصفين غير متساويين: الأميين الرقميين من ناحية، وهم قلة والمتعلمين الرقميين، وهم كثرة تشمل الأطفال بداية من سن مبكرة جداً «طفل السنتين». وأضاف المكني: الإدمان الرقمي أمر خطير بلا جدال، لأنه اليوم ينافس ظواهر الإدمان على الكحوليات والمخدرات ونسب الأمراض النفسية والبدنية المنجرة كثيرة وعديدة، منها التوحّد والقلق والهوس بفتح الحاسوب أو الهاتف، خلال النوم العميق، وقلة النشاط البدني، وآلام الرقبة وآلام الفقرات، وأمراض الشبكة والعيون.
وأضاف: أدّى الإدمان إلى سقوط عديد الفئات في شبكات التحايل المالي أو العاطفي، وهو ما أدّى ببعض القاصرين والقاصرات إلى اقتراض الأموال أو حتى إلى سرقة مدخرات عائلية، وأدّى بالبعض الآخر إلى السقوط في الابتزاز بجميع أشكاله. وقال: لعلّ أخطر أنواع الإدمان هو الذي حوّل بعض الشباب من مرتاد عادي للشبكة إلى كائن قابل للانفجار والتفجير، إما بالالتحاق ببؤر التوتر والإرهاب، أو بالانخراط في الإرهاب الرقمي، فكيف نفسّر قيام شابة في سن 29 سنة من عمق الريف والبادية بترك أسرتها وأغنامها التي كانت ترعاها يومياً، والمرور في أكبر شارع بعاصمة معروفة لتفجّر نفسها أشلاءَ، في محاولة للاعتداء على قوات أمن ذاك البلد، إنه الشحن الإرهابي الإلكتروني المنجر عن الإرهاب، فقد كانت الفتاة ضحية من ضحاياه. 
وأضاف: وصل الأمر منتهاه بترويج ما يسمى بالمخدرات الرقمية، وهي عبارة عن «مقاطع صوتية يتم تحميلها من خلال مواقع موجودة على الإنترنت وسماعها من خلال سماعات خاصة وعبر مكبرات صوتية، وتتكون من ذبذبات منشطة أو مهدئة لمراكز المخ والجهاز العصبي، وتختلف تلك الترددات في الأذن اليمنى عن الأذن اليسرى، وذلك حتى يقوم المخ بالموازنة بين الصوتين والعمل على توحيدهما والمساواة بينهما وتعويض ذلك الفرق من خلال زيادة إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن النشاط والسعادة، ويعرف ذلك الجهد المبذول بالجرعة، ويدخل معها المتعاطي في نوبة استرخاء وهدوء ويشعر بتحسن في المزاج العام والرغبة في النوم، وتتراوح أسعار تلك المقطوعات من 3-30 دولاراً على حسب الجرعة التي يتم الحصول عليها».
وأوضح: «من الواضح أن الإدمان الرقمي دخل من مرحلة التشبيه المجازي إلى مرحة الوصف الفعلي في هذه الحالة، ومن أخطر ما لاحظت من خلال منصبي كرئيس جامعة هو حالة انتحار طالبة عبر اتباع نصائح واردة من موقع مختص في الانتحار، وهي عملية انتحار بطيئة وسعيدة تتم عبر أنواع غاز هوائي تشحن به مكيفات السيارات».

ظاهرة شبابية.. وهذه الأسباب
ممدوح عزالدين الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، مدير وحدة الدراسات التربوية والشباب في مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانيات بتونس، تناول ظاهرة المخدر الرقمي بقراءة اجتماعية خاصة بـ «الاتحاد الأسبوعي» وقال: «لا بد أن نتساءل فيما يتعلق بممارسة المخدر الرقمي، هل نحن أمام حالات انفرادية لا ترقى لأن تكون ظاهرة اجتماعية، أو أننا أمام ظاهرة اجتماعية بفعل عاملي التواتر والكثافة، أو أننا إزاء ثقافة مجتمعية تطبع مع هذه الممارسة وتشرعنها وعابرة لكل التصنيفات العمرية والجندرية والاجتماعية».
وأضاف: يرجح أنها لا ترقى إلى مستوى الظاهرة الاجتماعية، بل هي حالات فردية وإن كانت في تزايد، إذ لا يزال الإقبال على الأشكال التقليدية والمعروفة من المخدرات هو السائد، خاصة لدى فئة الشباب، لكن إذا ما علمنا أن معدل الزمن الذي يقضيه الطفل والشاب العربي على الحاسوب والإنترنت والألعاب الإلكترونية العنيفة تتراوح بين 6 إلى 10 ساعات يومياً، فنحن إذا أمام حالات إدمان تؤثر سلباً على الشخصية، وعلى الأداء الدراسي والمهني وتدفع حتى للانتحار.
وأكد عزالدين أن السؤال الذي يفرض نفسه حتى نفهم هذا السلوك، وهذه الممارسة المستجدة هو التالي: لم يعتبر المخدر الرقمي خاصية شبابية بامتياز؟
يضيف: نلاحظ أن تعاطي المخدرات عموماً والمخدر الرقمي خاصية شبابية بامتياز، ويتزامن ذلك مع انتشار النزعة الشبابية وهيمنتها عالمياً، فالأيديولوجيا بالمعنى الثقافي للكلمة التي تحكم العصر الآن هو الشبابية. 
وأهم خاصيات هذه الأيديولوجيا الشبابية:
* أولاً: عدم الاهتمام بالشأن العام وضعف المشاركة في الحياة السياسية والأنشطة الاجتماعية في شكلها الممأسس التقليدي كالأحزاب والجمعيات والانتخابات، واعتماد وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن المواقف والهواجس السياسية، إضافة للنزول إلى الساحات العامة للاحتجاج.
* ثانياً: الرغبة القصوى في التمكن بمتع الحياة بكل السبل والوسائل المتاحة بما في ذلك المخدر الرقمي، ما يعني الرغبة في كل شيء والسعي نحو تحقيق المتعة القصوى الآن وهنا.
* ثالثاً: التركيز على اللحظي والآني مقابل الماضي والمستقبل، فلا قيمة للتاريخ والماضي ولا مشروعية ولا قيمة للأجداد والشيوخ، ولا قيمة للمستقبل، لأن ما يهم هو التمتع بملذات الحاضر قبل كل شيء. كل الاهتمام أصبح منصباً نحو الترفيه والسعي لتحقيق المتعة الآنية. بالتالي، فقدت الثقافة دورها على المستوى الاجتماعي العميق ليعوضها الترفيه دون اعتبار أي مرجعية أخلاقية أو ثقافية.
* رابعاً: الشباب حالة اجتماعية ليس له مسؤوليات والتزامات «بفعل طول سنوات الدراسة والبطالة وتأخر سن الزواج»، وليس له ما يخاف عليه، فهو لا يعمل وليس له مسؤوليات عائلية، مما يجعله مستعداً ومتأهباً للمغامرات غير محسوبة العواقب.
* خامساً: الشباب أصبح عقلية بمعنى القبول بكل شيء، ما عبر عنه عالم الاجتماع البولندي زيغمونت بومان بسيولة القيم، حيث لا يتم الخضوع لضوابط مؤسسية ومرجعيات أخلاقية ثابتة، ويتزامن ذلك مع بروز مفهوم ما بعد الحقيقة الذي يعني انتشار النسبية على نطاق واسع وسطوة للايقين، على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي روبار كاستال.
* سادساً: ارتباط الشباب بمعامل الموضة؛ أي العدوى والمحاكاة، ويتجلى ذلك واضحاً في أشكال الإدمان على المخدرات التي تقوم أساساً على سلوك المراهق والشاب الذي يحاكي أترابه في هذه الممارسة.
* سابعاً: ارتباط الشباب بالنزعة المساواتية، بمعنى رفض كل أشكال السلطة والوصاية التي تمارس عليه مثل سلطة الأب والمدرس والشرطي، ويعتبر نفسه مساوياً لهم وليس مجبراً على الانصياع لأوامرهم.
وخلص الباحث الاجتماعي التونسي إلى أن كل هذه العوامل قد تساعدنا على فهم سلوك الشاب المدمن على المخدر الرقمي، ويبقى السؤال: ما الحل وما العمل؟ الانصات والحوار هما الممارستان الأساسيتان الواجب القيام بهما كخطوة أولى للحل.

تحرك الحكومات
الوقاية من المخدر الرقمي تحتاج إلى تحرك الحكومات تجاه هذا الخطر، وذلك بتحديث القوانين الرادعة لمنع استخدامها وترويجها من قبل مافيا المخدرات الرقمية، وتدريب فرق خاصة لمراقبة المواقع وحجبها في بلداننا، وأن نوثق التعاون دولياً لتقنين المسألة وسن قوانين لضبط المروجين، كما لا ينفي ذلك الدور الرقابي للأسرة من خلال متابعة الأبناء، وتوعيتهم من هذا المرض العضال الذي بدأ ينخر مجتمعاتنا.

مراكز مجهزة بأحدث التقنيات
لفت رئيس جامعة صفاقس إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا الشمالية تنتصب اليوم في شركات عديدة ومراكز ذات غايات غير ربحية لمعالجة الإدمان الرقمي بأساليب وطرق علمية ذكية وبأسعار مرتفعة، لأن هذه المراكز مجهزة بأحدث التقنيات وبكبار المختصين النفسيين، وأول أساليب العلاج هي ربط الإبحار بالنشاط البدني الرياضي وخاصة السباحة والعدو، وهناك من يتبع نظام «حمية» للعلاج من الإدمان.

ظرف استثنائي
انتبه العالم العربي إلى المخدرات الرقمية في عام 2012 في ظرف استثنائي جداً تعيشه الأمة العربية، وانتشرت في عدد من الدول العربية، ووصل الأمر إلى حد فقدان أرواح بشرية عجزت السلطات المختصة في الأمن والصحة عن الحد منها نظراً لصعوبة الوصول إلى المعلومات الهامة لهذا النوع من المخدرات في وقت قياسي وقدرة الشبكات الدولية على اختراق فئات من الشباب، فسهولة اختراق الشخص عبر الإنترنت بإيصال الجرعة بطريقة رقمية سهّل الأمر، وجعل من هذا المخدر صناعة مربحة للمافيا الدولية التي استغلت الظرف، إذ تصل الحقنة الرقمية المخدرة في صورة ملفات موسيقى Mp3 أو ملفات موسيقية، وأغلب المواقع التي تتعامل في هذا الشأن تعطى جرعات مجانية في صورة ملفات موسيقية في البداية قبل أن توقع به في مرحلة متقدمة من الإدمان، فيصبح أسيراً لهذه المجموعات الناشطة على وسائل التواصل وفي مختلف الفضاءات الإلكترونية المتاحة، حيث تقوم في البداية بعملية بيع الملفات بأسعار رخيصة إلى حد ما، قبل أن ترفع التسعيرة في وقت لاحق، بعد أن يصبح المستهدف مدمناً على هذا المخدر. 

دليل مكتوب
تعتمد مافيا المخدر الرقمي على دليل مكتوب هو عبارة عن 40 صفحة، يشرح لك خطوة بخطوة الإجراءات التي يجب أن تقوم بها حتى تحقق الفاعلية المطلوبة، حيث إن أكثر من 80% ممن جربوها وفق الدليل حققت الهدف المنشود. 

مطلوب تقنية لقياس المخدر الرقمي
أسامة رقيعة كاتب ومحام ومستشار قانوني سوداني مقيم بدبي قال: تعتبر القوانين المدنية أكثر مرونة في استيعاب المتغيرات المجتمعية المتصلة بالمعاملات والتجارة، على خلاف القوانين الجنائية المتصلة بتجريم الأفعال وتنضيد النصوص الخاصة بالعقاب؛ وفي ظل التحولات والمستجدات المجتمعية المتسارعة التي أفرزتها التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل على غرار ما ظهر حديثاً من جرائم إلكترونية ومخدرات رقمية بات هناك تحد قوي أمام الأجهزة التشريعية من أجل سن القوانين المواكبة للتحولات والظواهر وبالسرعة التي تفوق ظهور تلك التحولات وانتشارها، خاصة وأن من القواعد الذهبية في شأن القوانين العقابية، «أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص».
ولفت إلى أن ظهور وانتشار المخدرات الرقمية بات أمراً واقعياً ومهدداً اجتماعياً ماثلاً لأهم شريحة مجتمعية وهم الشباب، وفي ظل غياب التشريعات أو تأخر سنها يصبح الخطر حقيقياً وعابراً للأجيال، خاصة مع صعوبة علاج المخدرات الرقمية.
وأضاف: يتعين على الأجهزة التشريعية المبادرة لوضع قوانين شاملة بها تعريفات محددة جامعة ومانعة لهذا النوع الجديد من المخدرات مع تطوير المفاهيم القانونية المتعلقة بارتكاب جريمة التعاطي والحيازة؛ والترويج ذلك لأن المخدر الرقمي عبارة عن ملف سمعي يصعب اكتشافه وقياس أو تحديد وجوده في الوقت الذي تتعدد فيه وسائل إخفاؤه ونقله وتداوله وعبور الحدود به؛ سواء كانت حدود افتراضية عبر شبكة الإنترنت أو حدود واقعية كالمعابر والمطارات؛ وكل ذلك يتطلب تعاوناً وتنسيقاً قانونياً محلياً وإقليمياً ودولياً، كما يتطلب بالتزامن مع ذلك مجهودات فنية وتقنية عالية الكفاءة تساعد الأجهزة القانونية والعدلية عبر استحداث آليات ومعدات تقنية تمكنها قياس وإثبات وجود المخدر الرقمي ومنع عبوره للحدود الافتراضية والواقعية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©