الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: تزييف البشر

د. شريف عرفة يكتب: تزييف البشر
21 أغسطس 2021 00:43

تأملت طويلاً هذا الحساب الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، المليء بالرومانسية والعذوبة، لتلك الزوجة التي طعنت زوجها إثر خلاف نشب بينهما.. والحساب المفعم بالأدعية والخواطر الدينية، لهذه الفتاة التي قتلت صديقة عمرها طمعاً فيما تملك.. حسابات عادية لأناس يبدون عاديين.. رغم أن التخطيط لقتل شخص ليس أمراً هيّناً على الإطلاق كما تلاحظ..
كثيراً ما نقرأ عن دماثة خلق القتلة المتسلسلين.. «تيد باندي» الذي ارتكب سلسلة من الجرائم البشعة، كان معارفه وزملاؤه يشهدون له بكونه شخصاً محبوباً.. تلك هي الصورة الاجتماعية التي يحاول كل إنسان أن يصدرها للعالم الخارجي.. واجهة المحل التجاري التي تجذب الزبائن، كما تريد أنت جذب تقبل الناس وحبهم واحترامهم..
مثلما نرتدي ملابس أنيقة للخروج من المنزل، تختلف عن ملابس النوم المريحة.. نرتدي أيضاً أقنعة اجتماعية تمكننا من تقمص الدور الاجتماعي الذي علينا لعبه.. وجه المدير الصارم أو الموظف المجتهد، يختلفان طبعاً عن وجه الأب الحنون أو الزوج المحب.. إنها «ألعاب سيكولوجية» يلعبها الناس دون وعي، كما يسميها عالم النفس إريك بيرن.. أحياناً أنت شخص ناضج عقلاني، وأحياناً تكون عابثاً مستهتراً، وأحياناً تكون نفسك.
من المفيد أن يكون لكل شخص أكثر من شخصية تتلاءم مع الدور الذي يلعبه باعتبار أن لكل مقام مقالاً.. لكن الهوة السحيقة التي تفصل بين هذه الشخصيات تؤدي لاضطراب نفسي بلا شك.. فابتعاد الشخص عن صورته المثالية التي يتمنى أن يكون عليها يورثه شعوراً بالنقص الدائم.. واضطرار الإنسان للعب دور مهني يختلف كثيراً عن شخصيته الحقيقية، هو الوصفة السحرية للإصابة بالإنهاك العاطفي والاحتراق النفسي.. هناك اتساق لا بد أن يكون، لا تناقض، بين جميع أدوارك الاجتماعية.. فهذا ما يجعل الإنسان حقيقياً في نظر نفسه وفي عيون الآخرين.
في مجالنا، نلاحظ هذا كثيراً.. فالصورة الإعلامية التي يرسمها الشخص المعروف كثيراً ما تختلف، بل وتتناقض مع شخصيته الحقيقية التي تراها حين تتعامل معه شخصياً.. أمام الكاميرا يكون شخصاً غير الذي تراه حين يسدل الستار.. وبشكل ما، يشعر المشاهد أن ما يراه أمامه حقيقي غير زائف أو مدع.. مثال ذلك الإعلامي محمود سعد، الذي تراه في الشاشة هو ما ستراه لو جلست معه كصديق مقرب في منزله. هو نفس الشخص.
قد يقول البعض «لا أكذب ولكني أتجمّل»، حسب تعبير إحسان عبد القدوس، لكن هذا التجميل لا ينبغي أن يحيلك مسخاً، أو شخصاً آخر لا يمت لك بصلة.. كلما زادت الهوة زاد الضرر على صحتك النفسية لأنك لن تكون راضياً عن ذاتك الحقيقية.. كن أنت..
لذلك، لا تبالغ في رسم صورة شديدة المثالية لك أمام الجميع.. ولا تعبأ بمقارنة نفسك بالصور الوهمية التي يرسمها الناس لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.. فحياتهم قد تكون أكثر بؤساً مما تتصور..
بل قد يكونون قتلة متسلسلين يدعون أنهم ليسوا كذلك!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©