السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

أميركا.. العملاق «الضعيف»

أميركا.. العملاق «الضعيف»
17 يوليو 2021 01:50

محمد وقيف  (أبوظبي)

ينقل الكاتب والصحفي الأميركي لورانس رايت في كتابه الصادر حديثاً «عام الجائحة» شهادته حول عام الوباء في أميركا. إذ يرصد الكتاب ما حدث عندما دخل الفيروس الولايات المتحدة، مفككاً أسباب فشل البلاد في الرد على الوباء بالشكل الصحيح والإجابة عن السؤال المحيّر والملّح: كيف أمكن أن يموت أكثر من نصف مليون أميركي في البلاد التي تفخر بأقوى اقتصاد في العالم؟
رايت، الكاتب بمجلة «ذا نيويوركر»، أخرج كتاباً ذا نظرة بانورامية واسعة يتنقل بين العلم والسياسة والاقتصاد والثقافة، وتمكن من مفاجأة القراء حتى بخصوص تلك الحلقات الحديثة التي عاشوها مؤخراً فقط واعتقدوا أنهم يعرفونها جيداً. 

وقد يكون من المسلّمات القول: إن الكوارث «الطبيعية» ليست نتيجة لأفعال الطبيعة المدمِّرة فحسب. فالتاريخ والسياسية والمجتمع والاقتصاد والحظ...كلها عوامل تتضافر لتضعنا في طريق الأذى. غير أن أميركا صُنفت البلد الأكثر استعداداً في العالم لمواجهة مرض مُعدٍ. وكانت هناك خطط معدة سلفاً للتعامل مع شتى السيناريوهات، وأُجريت تدريبات وعمليات محاكاة. فما الذي حدث؟ 
«لقد وصل كوفيد- 19 إلى أميركا في لحظة حساسة من تاريخ البلاد»، يقول رايت الذي ينكب على الخوض في تفاصيل هذه الهشاشة. 
والواقع أنه لا يوجد طرف واحد مسؤول هنا. فخلال الأشهر الأولى، كانت السياسة عموماً المسؤولة عن السماح بدخول الفيروس. كما كانت هناك إخفاقات استخباراتية لتأكيد معلومة أساسية بشأن فيروس كورونا: أنه يمكن أن ينتشر من دون أن يترك أعراضاً عند المصابين به. وبعد ذلك، اعترت الفحوص والاختبارات المبكرة حالة من الفوضى. وكانت «مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها»، التي تُعتبر مؤسسة الصحة العامة المحترمة، المنتجَ الوحيد للاختبارات ولم تستطع مواكبة الأعداد الكبيرة المطلوبة. والأدهى من ذلك أن تلك الاختبارات شابتها عيوب ونقائص بسبب تلوثها.

ثم سرعان ما سُيِّس موضوع ارتداء الكمامة. ويُعد رفض الرئيس ترامب الشخصي للكمامات جانباً واحداً من الانهيار الخطير للزعامة الذي يبحثه رايت في هذا الكتاب. ويُظهر كيف تصرف الرئيس ليس كزعيم وإنما كـ«مخرّب». 
يُظهر «عام الجائحة» ماذا يحدث حقاً حينما تفشل الحكومة خلال كارثة. ففي غياب خطة وطنية لهذه الكارثة الوطنية غير المسبوقة، «قُسِّم الوباء إلى 50 وباء منفصلاً، وألقى في وجه حكام ولايات المتفاجئين وغير المستعدين». وعلى نحو سريالي، تنافست الولايات مع بعضها بعضاً على اقتناء أجهزة تنفس اصطناعي على موقع «إي باي» ووصلت شاحنات فارغة إلى أماكن، حيث كانت هناك حاجة ماسة وترقب كبير لمعدات الحماية. وفي الأثناء، رفض الرئيس الانتقادات: فالحكومة «ليست موظف شحن».

قصص محزنة
كيف سيتذكر الأميركيون العام الأول من هذا الوباء الذي يواصل حصد الأرواح عبر العالم؟ رايت يخبرنا بأن التاريخ محا في الغالب قصص من قضوا في آخر وباء عالمي كبير عرفه العالم، ألا وهو الإنفلوانزا الإسبانية في 1918. ورداً على ذلك، يحاول المؤلف إدخال قصص محزنة ضمن السرد الأوسع للكتاب. ولنأخذ «آيريس ميدا» على سبيل المثال. فقد كانت ممرضة أحيلت على التقاعد مؤخراً، ونشأت «آيريس» فقيرة في حي «هارلم» النيويوركي. وكانت لديها خطط ومشاريع لمرحلة التقاعد، من بينها ركوب سيارة مكشوفة لأول مرة. ولكن الفرصة لم تتح لها أبداً لتحقيق هذا الحلم. فقد أصيبت بفيروس كوفيد وتوفيت بين يدي ابنتها، بقفازاتها المزدوجة وواقي الوجه الشفاف. في كتاب «عام الوباء»، يمكن القول إن رايت أرسى أسساً لتذكر كارثة فظيعة، خالقاً فضاء لعدد كبير من أمثال ابنة آيريس ليواصلوا التساؤل بشأن ما حدث والحزن على الأعزاء الذين فقدوهم.

التداعيات المميتة
الحقيقة المحزنة بشأن الكوارث، وهي حقيقة تظهر مراراً وتكراراً، تكمن في أن الكثير من الخسائر التي تجلبها كان بالإمكان تجنبها. وهنا، يُظه لنا رايت أن الفيروس ليس الوحيد الذي تسبب في الوباء. فنرى التداعيات المميتة لتلك الأخطاء المبكرة، ومن ذلك مثلاً فقدان دار لقدماء المحاربين في يوليوك، بولاية ماساتشوسيتس، لقرابة ثلث نزلائها.
وبالطبع، تكون الكوارث مدمِّرة بشكل غير متساوٍ – سواء من حيث الاقتصاد أو تهديد الحياة. فعلى الرغم من إنفاق الحكومة مبالغ غير مسبوقة على المساعدات، إلا أن أميركا شهدت «أوبئة مختلفة جداً»، كما يقول رايت. إذ أصيب السود واللاتينيون بالفيروس بمعدل أكبر بثلاث مرات من البيض، ما يعكس الطرق التي يمكن أن تؤدي بها الحاجة الاقتصادية إلى قدر أكبر من التعرض للفيروس. كما عرف الأطفال المنحدرون من أسر منخفضة الدخل انخفاضاً بنسبة 60 في المئة في تعلم الرياضيات. وبالمقابل، لم يكن هناك تغير بالنسبة لأولئك المنحدرين من أسر ميسورة عموماً.
وفي فصل مشوّق حول أصل الفيروس – يشمل إشارة إلى النظرية التي تقول بتسرب الفيروس من مختبر – يلفت «رايت» إلى أن فيروس كورونا قد يكون «مقدمة» لأشياء قبيحة مقبلة. ولا شك أن تهديداً جديداً آخر يحل على أمّة مقسّمة هو شيء مخيف.

المؤلف: لورانس رايت
دار النشر: نوف
تاريخ النشر: يونيو 2021

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©