الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: تحديث الأخلاق!

د. شريف عرفة يكتب: تحديث الأخلاق!
17 يوليو 2021 01:10

تطورت المنظومة الأخلاقية للإنسان عبر العصور.. قديماً كان الناس يذهبون للكولوسيوم للاستمتاع برؤية الأسود وهي تفترس الأشخاص.. أو للتلذذ بمشاهدة حرق الهراطقة أحياء.. أو لسوق العبيد لابتياع بشر تم اختطافهم وأسرهم من بلدانهم.. أو للسيرك للتسلية برؤية بشر يعانون من تشوهات جسدية.. كان هذا يحدث في الماضي، لكن لم يعد في الإمكان تصور قبوله اليوم في المجتمع الحديث.
هناك نظريات عديدة توضح مراحل الارتقاء الأخلاقي.. منها نظرية كولبرج.. حيث يرتقي المنطق الأخلاقي من مرحلة تقبل الفعل لمجرد أنه مقبول في الوسط الاجتماعي للفرد، إلى مرحلة الاحتكام لمبادئ أخلاقية منبعها الضمير الأخلاقي.. لن يعود التصرف أخلاقياً لمجرد أنه مقبول في مجتمع ما!
تطورت المنظومة الأخلاقية للبشر.. وأصبح السيرك مثلاً يواجه اعتراضات أخلاقية، لا لأنه يعرض بشراً، بل لأنه يعرض حيوانات يتم تعذيبها لتجبر على القيام بحركات بهلوانية تتنافى طبيعتها وفي مكان لا يشبه بيئتها الأصلية.. اتسع الضمير الأخلاقي للإنسان الحديث ليشمل الحيوانات.. وهو ما يطرح سؤالاً أخلاقياً لم يكن مطروحاً منذ سنوات قليلة: هل حدائق الحيوانات شيء أخلاقي؟
دار بذهني هذا السؤال وأنا أطالع ثعلباً تم حبسه في غرفة ضيقة في إحدى هذه الحدائق.. الثعالب مسالمة تتحاشى البشر.. لذلك كان متوتراً من اقترابنا من الزجاج.. كان يبدو جديداً على المكان.. لأنه كان ينظر حوله في قلق ويحاول تسلق الأركان.. يفحص الجدران.. يبحث - بوعي وذكاء حقيقي يشع من عينيه - عن مخرج مما هو فيه.. جدران قليلة كانت تفصله عن بيئته الأصلية ويبدو أنه كان يعرف ذلك.. وكان يبدو منزعجاً.. بشكل آلمني أنا شخصياً.. ومن يومها لم أذهب بضمير مستريح لحديقة الحيوان هذه.
هناك من يرى جانباً أخلاقياً مشرقاً في حدائق الحيوان، وهو أنها تحمي فصائل معينة من الانقراض.. وتوفر ملاذاً آمناً لكثير من الحيوانات التي تختفي بيئاتها الأصلية بفعل التغيرات البيئية.. ليس هذا فقط، بل إن بعضهم يرى أن حدائق الحيوان تحمي الحيوان النهاية الحتمية في بيئته وهي الافتراس.. أن يأكله كائن آخر وهو حي يعاين ويتألم.. لكن هل تجنب لحظات النهاية هذه يبرر معاناة الأسر؟ هل أحببت العزل المنزلي لتجنب وباء «كورونا» في الخارج؟ هناك حيوانات تتمتع بمستوى ذكاء مرتفع تقتضي حياتها في الحركة في مساحات شاسعة.. فهل يحاكي مكانها الجديد نمط حياتها الطبيعي؟
لست هنا ضد حدائق الحيوانات أو معها.. ليس هذا موضوعنا.. لكني - فقط - أضرب مثالاً لكيفية طرح الأسئلة التي تخوض في مسائل أخلاقية لم تكن مطروحة في الماضي.. لم يكن أحد يتحدث عن أهمية استنساخ الخلايا والألياف العضلية في المعمل عن طريق الاستنساخ، كي تكون بديلاً للحوم الحيوانية، لتجنب معاناة الحيوانات في بعض شركات تصنيع الأغذية!
الالتفات لمثل هذه القضايا والتفكير فيها.. واتساع المنظومة الأخلاقية لتتجاوز العرق والنوع.. هو أحد المؤشرات الأساسية لارتقاء نوعنا الإنساني.. وكوننا جديرين بكوننا بشراً..
بغض النظر عن الاستنتاج النهائي الذي توصلت إليه بعد قراءة هذا المقال!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©