الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

في وداع لميعة عباس

في وداع لميعة عباس
21 يونيو 2021 00:40

في الأمسية الشعرية التي استضافتها فيها جامعة الإمارات في التسعينيات، وفي شتاء عيناوي دافئ، كانت نخلة العراق الباسقة الشاعرة لميعة عباس عمارة تتهادى بين الممرات وأجنحة المسرح الكبير في الجامعة، وكنّا نجاور خطوتها باتجاه المنصّة، كانت حقبة من تاريخ الشعر العراقي الحديث تمشي بيننا، شاعرة ذات قامة عالية في الحضور والأثر، كنّا ونحن نسير معها نحو المسرح تتراءى لنا «لو أنبأني العرّاف، أنك يوماً ستكون حبيبي، لم أكتب غزلاً في رجل، خرساء أُصلي لتظل حبيبي» كأجمل قصيدة استقرت في وجدان وذاكرة الكثيرين من عشاق الرومانسية، والأحلام الوردية، المُنسابةِ كجداول ماء رقراقٍ في زمن كان للشعر والكلمة فيه مكانة كبيرة، وعميقة.
في تلك الأمسية التي كنتُ عرّيفتها وقدّمت شاعرة العراق لجمهورها، وقبل أن نبدأ تبادلنا أطراف الحديث حول الشعر العامي، ولم أكن أعرف أنها تكتب العامية أيضاً، ففاجأتني بأبيات لامعة مثلها، غائرة في الجمال، فريدة في الخيال حيث تقولِ «أرْد ّ أسألك .. وبْحسِن نيّه/ أمحلفك بالله ترد ../ ربك  بيوم الْصوّرك .. / جم يوم طينك نقّعه بْماي الورد؟، ومن هذه القصيدة تعرفت إلى جانب آخر من شعر لميعة التي أخذتها الغربة حتى غادرت هذا العالم الأسبوع الماضي، وسط حزن ٍ شديد اعترى قلوب محبيها، ومتابعيها.
وأيضاً في تلك الأمسية دار الحديث حول القصيدة العراقية الموغلة في الشجن، والسيّاب وأنشودة المطر، وحكاية الشاعر الذي رحل شابا ً مع العيون الساحرة التي ألهمته تلك الرائعة التي تعتبر من عيون الشعر العربي.
أذكر لميعة عباس عمارة في تلك الليلة الدافئة شعراً وشعوراً كانت ترتدي فستاناً باللون الأزرق المخملي الساحر، ورغم حديث السنين على ذاك الوجه الرّحِب، وتلك العينين الساحرتين، إلاّ أن يفاعة الروح، وشباب القلب، وهيبة اللحظة، كان لها سحرها الخاص حين جلجل صوتها يغني لبغداد التي تعشق ولكل مدينة عراقية تركت أثرها في روح شاعرة العراق التي اضطرت للخروج منه لأسباب يعرفها الكثيرون.
ولأن لميعة عباس رحلت، فإن الذاكرة العربية تستنطق حضورها فيما تركت من أثر ربما كان آخره ما بعثته منذ ثلاث سنوات للصديقة السيدة شهلا خلفان التي اشتاقت إليها فقالت لها في رسالة خاصة «أطلتِ الصمت يا شهلا/ وما عوّدتني قبلا/وشهرٌ بعد شهرٍ مرَّ/ لم أسمع ولا أهلا/ ولستِ بخيلةً لألومَ/ لم أعهد بك البُخلا/ نسجتُ لصمتكِ الأعذار/ واستنفذتها كلاّ/ ولا أعذار تقنعني وأنتِ/ شقيقتي الأغلا.
رحلت لميعة سلامٌ لروحها، الباقي أثرها في أرواحنا وذاكرتنا المُحبة لها وللشعر العراقي بحشرجة الحنين فيه.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©