الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

إدوارد ويليام: صبر الصائم وعزيمته دليل إيمانه

لوحة لمصر في القرن التاسع عشر
28 ابريل 2021 01:02

شاكر نوري (دبي)

كتبَ عددٌ من الرحّالة والمستشرقين خلال رحلاتهم في أنحاء البلاد العربية والإسلامية مؤلّفات وكتباً أصبحت وثائق تاريخيّة مهمّة، جسّدوا فيها مظاهر حياة المسلمين الدينية والاجتماعية، ومن بينها الاحتفال بشهر رمضان المبارك، بطقوسه وروحانيته، وانبهروا بمدى الإيمان والصبر اللذين يتميّز بهما المسلمون، وما يتّصف به الشهر الفضيل من آثار إيجابية في سلوك الإنسان، وترسيخ مفاهيم الألفة والأخوة والتسامح.
استطاع الرحّالة والمستشرق البريطاني إدوارد ويليام لين، مؤلّف كتاب «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم 1833-1835»، ومترجم كتاب «ألف ليلة وليلة» إلى اللغة الإنجليزية أن يحقّق  حلمه في زيارة مصر بعد أن سُحر بعوالمها الشرقية الحميمة. وقد تأثّر بالكاتب الفرنسي الشهير جيرار دي نيرفال الذي سبقه بزيارة مصر والكتابة عنها.
سنحت له الإقامة الطويلة أن يتفهّم المجتمع المصري على طبيعته بعيداً عن القوالب النمطية الجاهزة التي كان يروج لها بعضهم.

  • إدوارد ويليام لين
    إدوارد ويليام لين

لعلّ ما سهّل مهمّة الرحّالة والمستشرق البريطاني هو إجادته اللغة العربية التي تعلّمها قبل مجيئه إلى مصر. قد وصل شغفه بالحياة المصرية إلى درجة أنّه أمضى نحو أربعة عشر عاماً فيها من خلال رحلاته المتكرّرة، كما تزوج من سيدة مصرية مسلمة ذات أصول يونانية، اسمها نفيسة، واعتنق الإسلام، وترجم جزءاً من القرآن الكريم. كلّ ذلك جعله أكثر تعلّقاً بمصر في تلك السنوات.

في قلبه ووجدانه
عاشت القاهرة والإسكندرية في قلبه ووجدانه، وانتقلت روحهما إلى كلماته، حيث دأب على توثيق كلّ ما يراه في عصر المماليك وحكم محمّد علي باشا، لذلك أصبح كتابه التوثيقي عن مصر مرجعاً لاستيحاء المعلومات من قبل المستشرقين أو الأدباء أو العامّة، لأنّه تميّز بحيويّته وصدقه.
بلغ حبّه مصر إلى حدّ ارتدائه الزي التقليدي المصري الجلباب والعمامة، وأطلق على نفسه اسم «منصور أفندي»، وافتخر بهذا الاسم العربي الذي اشتهر به في مصر.
كان يشارك المصريين رؤية الهلال، ويراقب كيف يتمّ إطلاق المدافع من القلعة، لتضيء سماء القاهرة، وهو يشارك الأهالي في رؤية هلال شهر رمضان.

  • لوحة الاحتفال بعيد الفطر
    لوحة الاحتفال بعيد الفطر

قام بوصف الاحتفال بهذا الشهر وأنواره التي تتلألأ في المساجد والجوامع، كما ألقى الضوء على أمزجة الصائمين قبل الإفطار، مقدّماً وصفاً رائعاً لصلاة الجماعة في كلّ من جامع الحسين وجامع السيدة زينب، حيث تصدح الآيات القرآنية وسط الصائمين الذين يتناولون حبّات التمر للإفطار.
يصف الرحّالة والمستشرق البريطاني هذين المسجدين بأنّهما الأكثر اكتظاظاً وبهجة وخاصّة في ليلة القدر، فيما الأطفال والصبية يملؤون الحارات والأزقّة باللعب والمرح.

شهر البهجة
ثمّ يتحدّث عن المسحراتيين الذين يطوفون مركز القاهرة وضواحيها، ويلهجون بتوحيد الله، ويبشّرون بالشهر الفضيل.
تحدّث أيضاً عن العشر الأواخر من شهر رمضان، حيث يمضي أهالي القاهرة تلك الليالي في الجوامع، وخاصّة جامع السيدة زينب الشهير.
من المعروف أنّ رمضان شهر البهجة والفرح عند المصريين، ومناسبة - كما قال الرحّالة والمستشرق البريطاني - لكي يوحّدوا فيه طوائفهم، ويتودّدوا لبعضهم بعضاً، ويتصالحوا فيما بينهم. كما لاحظ أنّ جميع المصريين يشاركون الاحتفال بشهر رمضان حتى القبطيون منهم، لأنّها مناسبة دينية عامّة تخص جميع الأهالي وجزء من عادات وتقاليد عريقة، إضافة إلى تميّزه بقيمة روحانية كبيرة في نفوس المؤمنين.

  • رمضان في العهد العثماني في مصر
    رمضان في العهد العثماني في مصر

لم يقتصر الأمر عند ذلك، فكثيراً ما كان إدوارد ويليام لين يتوقّف عند المساجد والمآذن والقباب والصحون وصلوات التراويح منبهراً بالروحانية الكبيرة التي يتميّز بها هذا الشهر الفضيل، وما يرافق ذلك من موسيقى وتزيين وفوانيس وأضواء وتوزيع الحلوى والطعام.
شعائر خلدها أهالي مصر، وأصبحت جزءاً من عاداتهم وتقاليدهم، ومن إيمانهم العميق بالإسلام وقيمه الخالدة.

رواة القصص
كتب إدوارد وليام لين عن ابتهاج المصريين بشهر رمضان واستقبالهم له بكلّ أشواقهم ومشاعرهم، إذ جعلوا منه احتفالية روحانية كبيرة تليق بعظمة هذا الشهر وقيمه من خلال الاكتظاظ في صحن المساجد ورحابها، وهم يستمعون إلى آيات من القرآن الكريم.
لم يكتفِ بوصف ما شاهده بعينيه، بل ذهب إلى تصوير العائلات المصرية من الداخل، كما ذهب إلى المقاهي المزدحمة بالرواد الذين يستمعون إلى رواة القصص الشعبية، والعزف على الربابة، وحلقات الذكر بعد أن كانت شوارع القاهرة والإسكندرية تكاد تخلو من المارة والعابرين، وتُغلق أبواب المحال التجارية.

  • صلاة العشاء
    صلاة العشاء

إنّ تناول الإفطار بعد نهار كامل من الصيام يبعث على البهجة والانشراح والتسامح، إذ يقوم جوهر هذا الشهر الفضيل على تعاون الناس فيما بينهم، بين الأغنياء والفقراء في مجال موائد الإفطار، وتفاصيل الطعام والشراب، يستغرق في وصف رمضان في ليالي القاهرة، حيث اللقاءات الاجتماعية والاستماع إلى القصص والسير والموسيقى والحكايات الشعبية. يشيد المستشرق البريطاني بصبر الصائم وعزيمته على تحمّل الجوع والعطش من السحور إلى الفطور، وهو ما يدلّ على مدى إيمانه العميق. من الطريف أنّه استعان بأخته التي كانت في زيارة إلى مصر في تلك الأثناء من أجل التعرّف إلى حياة النساء المصريات المحافظات، وما يقمن به من طرق التزيين والأعراس والاحتفال على طريقتهنّ.
لاحظ مؤلّف «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم 1833 - 1835» كيف تتغيّر حياة المصريين في شهر رمضان، فالأسواق تمتلئ بجميع أنواع التوابل والبضائع الآتية من أنحاء العالم، وتميل إلى الهدوء والسكون إلى أن تُفتح المحلّات والحوانيت أبوابها بعد الإفطار، تتخلّل ذلك نشاطات أخرى مثل الاسترخاء والتوجّه إلى الجامع، وتلاوة القرآن، والاستماع إلى الدروس الدينية. وعادة ما يتكون الإفطار من أطباق متنوعة في البيوت. كان إدوارد ويليام لين يطرب لسماع أصوات المؤذّنين تنطلقُ من مآذن المساجد في القاهرة، وكأنّها سمفونية خالدة تحثّ على التوحيد والعبادة والتبرك، لعلّ ما يثير الإعجاب والدهشة هو حرص المصريين على الصوم مهما كلف الأمر حتى المرضى منهم وذلك عبر عن مدى الإيمان في دواخلهم، لأنّهم يتألّقون روحيّاً في احتفالية عزيزة على قلوبهم من أول رمضان إلى آخره، لم يكن يتردّد في مشاركة المصلين صلاتهم، ويحضر حلقات الذكر وتفاصيل الصيام وطقوسه، سواء في النهار أو الليل.

مراجع:
1 - إدوارد وليام لين: عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم 1833 - 1835، ترجمة سهير دسوم، مكتبة مدبولي، ط 2 القاهرة 1999.
2 - Edward William Lane›s «Description of Egypt»
Published online by Cambridge University Press: 23 April 2009
3 - Title: Life of Edward William Lane [Electronic Edition]
4 - Edward William Lane 1801–1876: The Life of the Pioneering Egyptologist and Orientalist
Jason Thompson ublishedp to Cairo Scholarship Online: September 2011.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©