الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

بيوتنا القديمة حكايات حب

بيوتنا القديمة حكايات حب
29 مارس 2021 00:23

كم من البيوت سكنّا وهجرنا، كم من المنازل ألِفنا وتركنا، وكم من الدروب التي قطعنا من أجل وصلِ محبٍ، أو تواصل مع جدران قديمة أكلها الدهر، وجارت عليها الأيام ومعاول الهدم والتحول العمراني الجديد، كم من الحارات والفرجان عشقنا، بين دروبها رسمنا أشواطاً من الحب، والشوق، والتواصل، والحكايات الجميلة.
بيوتنا القديمة سر توازننا، وشموخ قاماتنا، وجميل علاقاتنا، فيها نشأنا على أشياء كثيرة أحببنا وأسرنا الصغيرة والكبيرة الممتدة، ملاذنا كانت تلك البيوت من غوائل الدهر، وانتكاسات الأيام، فنجان القهوة فيها وحده حياة بكامل متعتها وسحرها وانعكاسها في الروح رائحة من مطرٍ ووجدٍ لا ينتهي ولا ينقطعُ إلا بالشجنِ الكامن وسط القلوب التي أخذها الشوق إلى تلك البساطة والفخامة في آنٍ معاً، حيث الابتسامات الصافية، والضحكات الطالعة من عمق الروح، والحكايات الكثيرة التي تعبق برائحة الوقت والمكان.
وتلك السّكيك بشجيراتها المتواضعة التي شبّت وحدها هكذا من رحم الأرض بعد سُقيا من مطر عابر شفيف، لتصبح فيما بعد ظلاً وظليلاً، صديقاً وفيّاً كلما مررت به تفيأت واحة حب، وقطفت بذرة انتظار، والتقطت من سدرة اللحظات الحلوة حبة «نبجٍ» آسرٌ لونها بين حمرةٍ خمريّة، واصفرار يذيب الشمس في طعمه الطبيعي الهش اللذيذ.
ذكريات تُذيب القلب وجداً وشغفاً، توقٌ يقطّع المُهجَ لبيوت الطين، وعرشان السّعف والدعون وبيوت الشعر الدافئة عاطفة ومشاعر لا تهجر، ولا تنصرفُ بعيداً عن حاجتك لقيلولة تجدد فيك الحياة وتبعث الراحة والسكينة، وصحوَ الصباح الباكر واتجاهك نحو النّخل، أو صوبَ الأفلاج ربما حصّة بستانك من الماء حان وقتها، فتروح «ترد الماء» باتجاهها في مشهد التحام بين الطبيعة والإنسان مشحون بكل ما يمكن تصوره أو تخيله من جمالٍ ومهابة وجلال، كلها تنساب لحظة اندفاع الماء في أنشودة للاندماج لا تتكرر.
بيوتنا القديمة جدّاتنا، أجدادنا، أمهاتنا، آباؤنا، حالات الحب الحقيقية الساكنة ضلوعنا، رائحة حضورهم، وعطر مرورهم، واحتفال رضاهم وبرّهم، حكاياتهم تلك الخراريف التي تُسقطُ في روحك من القيم والمبادئ ما اكتشفته حين كبُرت وصرتَ من حزن ٍ وشوق تردد «رحمَ الله من علّمني من دون منّةٍ أو فضلٍ، فبث في روحي الحكمة، وعلّمني مما يعلم الكثير الذي أخذني إلى المستقبل الذي لم يُشاركني فيه، أو عاش بعضاً من زمنه وحنينهُ لا ينقطع أبداً» «لأول منزلِ».
ذاكرتنا المتّقدة، حاجتنا الساكنة أرواحنا العصيّة على البوح، تلك التي أرهقها السفر إلى الماضي ولا وسيلة تصلح للعودة إليه، وإلى ظلةٍ حبيبة في البيت القديم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©