الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: الفيل الذي بداخلك

د. شريف عرفة يكتب: الفيل الذي بداخلك
27 مارس 2021 00:07

لن أتحدث عن زيادة الوزن، كما قد يوحي العنوان! لكن عن تشبيه بليغ أطلقه عالم النفس الكبير «جوناثان هايدت» واصفاً التكوين النفسي للإنسان.. في كتابه «فرضية السعادة»، يقول: إن كل واحد منا يشبه شخصاً راكباً على فيل، يحاول توجيهه والسير به طوال الوقت.. الشخص هو عقلك الواعي، أي إرادتك الواعية.. أما الفيل فهو عقلك اللا واعي، أي كل ما لا تستطيع التحكم به في نفسك وجسدك.. وعلى الرغم من أن الراكب شخص عاقل يعرف ما ينبغي عمله وإلى أين ينبغي السير، لكن يظل الفيل أكبر حجماً وأعلى صوتاً وهو صاحب اليد العليا في الموضوع برمته!
فكر في كم الأمور، الذي «ينبغي» عليك القيام به، وتدرك هذا بشكل واعٍ، لكن فيل المقاومة الداخلية يمنعك.. مقاومة نفسية وجسدية من أجزاء لا تحكم كامل لك فيها.. المدخن يدرك جيداً كيف أن التدخين مضر، لكن فيل الاعتياد والاعتمادية يدفعه إليه بشكل لا واعٍ.. ممارسة الرياضة يومياً أمر ضروري، لكن الفيل البيولوجي يفضل توفير الطاقة ويتكاسل عن بذل مجهود ليس له مردود فوري.. حتى إنقاص الوزن يصلح كمثال، لكنني لم أتناوله لأنني وعدتك في بداية المقال ألا أفعل!
هذا هو جوهر الصراع النفسي.. جزء منك يريد، وجزء لا يريد.. فما العمل؟
حاول علماء النفس النفاذ لهذا الفيل وبرمجته بطرق متعددة.. بدءاً من التنويم الإيحائي، الذي كان شائعاً في مدرسة التحليل النفسي، والذي يحاول مخاطبة الفيل بالسيناريوهات الإيحائية، مروراً بالعلاج المعرفي السلوكي، الذي يركز على تعليم راكب الفيل وإمداده بالأسباب والطرق التي تساعده في توجيه الفيل، وصولاً لمدرسة العلاج بالتقبل والالتزام، حيث تتقبل الفيل ولا تعانده، بل تسايره وتقنعه بأنك سائر به إلى حيث يريد..
قديماً قال أفلاطون: إن المعرفة ليست كافية، فقد أعرف الطريق الصحيح ولا أسلكه.. إلا أن معرفة أنفسنا، وإدراك أن هناك جوانب منا تحكمها البيولوجيا، والرغبات اللا واعية، والبرمجة القديمة، يجعلنا نتعامل مع أنفسنا بطرق مختلفة جوهرياً.. لا تقسُ على نفسك لمجرد أن في أعماقك رغبة لا تتسق مع غيرها، فهذه طبيعة بشرية.. حاول ترويض نفسك ومجاهدتها، لا عن طريق قمعها وكسرها وترسيخ احتقار الذات.. لكن بالاعتراف بالحكمة من هذه الدوافع لاستغلالها لصالحك.. مثل ربط النشاط الممل الذي يأباه الفيل، بمكافأة فورية.. أو بهدف مشترك يريده الفيل وتريده أنت.. طرق التفاوض الدائم بين أجزاء تكويننا النفسي، هو ما تتناوله الفلسفات والمدارس فكرية والروحية المختلفة.. لهذا يفيدنا الانفتاح الثقافي على منابع الفكر الإنساني كافة، الذي يثري تجربتنا الحياتية ويجعلنا نتطور، وننضج.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©