عدد اليوم
نسرين درزي (أبوظبي)
عندما يحكى عن قصر الوطن كصرح عملاق بقيمته الراسخة ضمن مجمع الرئاسة بالقرب من أجمل واجهة بحرية لمدينة أبوظبي، لا بد من التوقف مطولاً عند تفرده المعماري كتحفة هندسية تستدعي الزائر في كل ركن منه وعلى امتداد 380 ألف متر مربع، هي مساحته التي تعادل 4.9 أضعاف مساحة قصر «باكنغهام»، إذ أن التجول في أرجائه يشبه رحلة عابرة للحضارات بدءاً من الحدائق الخارجية وحتى الخطوات الأولى باتجاه الواجهة العملاقة المكسوة بالجرانيت الأبيض والحجر الجيري المقاوم للزمن.
كثيرة الصفات التي تجسد واقع قصر الوطن المكسو بالمقتنيات الفارهة المنتشرة على مد النظر من الأسقف إلى الجدران والأرضيات وحتى الأعمدة والزوايا، فهو متحف متفرد يضم أكثر من 5 آلاف شكل هندسي، ووجهة أسطورية، وشريط ثقافي برؤية عصرية، ومدينة جامعة لفنون العمارة العربية والأنماط التراثية وفقاً لأحدث خطوط الهندسة.
القبة الشاهقة
الجولة في أرجاء قصر الوطن كمن يتصفح كتاباً كل صفحة فيه ملحمة، وعوامل إبهار تطل من أبوابه المطلية بالذهب الفرنسي عيار 23 قيراطاً، وتحاكي المجسمات المنحوتة يدوياً، والأسقف المترفة بالتفاصيل، والأرضيات المفروشة فخامة وكل ما يرتقي إلى الصناعات النادرة، وتتوالى مشاهد الجذب باتجاه القبة المركزية الشاهقة في القاعة الكبرى التي يبلغ ارتفاعها 60 متراً، أي أعلى بـ 11 متراً من قوس النصر في باريس «49 متراً»، وهي تعد من أعلى القباب في القصور الشهيرة، وتعكس بألوانها الدمج المنسجم بين رمال الصحراء وشواطئ البحر في تصاميم رخامية دقيقة.
350 ألف كريستالة
قاعة «روح التعاون» التي تحتضن القمم الدولية والاجتماعات الوطنية، تضم بعضاً من أهم مكونات القصر، وفيها ثريا ضخمة من 350 ألف قطعة كريستال، ولوحة إبداعية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
وتتألق أبواب «القصر» المصنوعة بالكامل من خشب القيقب الصلب المعروف بمتانته ولونه الفاتح، بالنقوش والرسومات اليدوية عدا عن كونها مرصعة بالذهب، ومن الحقائق الملفتة في قصر الوطن أن إنشاء كل باب فيه تطلب 350 ساعة عمل، أي أكثر ب 70 مرة من متوسط الوقت اللازم لصنع باب عادي «5 ساعات»، فيما استغرق إنجاز العمارة الآسرة لـ «القصر» 150 مليون ساعة عمل أنبتت صرحاً عمرانياً سيحكي عنه التاريخ أكثر بكثير مما كُتب فيه حتى اليوم.
جوهرة ذهبية
المحطة التالية وقفة مطولة عند «طاقة الكلام»، وهو مجسم هندسي ينطق إبداعاً بتصميمه كجوهرة ذهبية تشع بريقاً بما فيها من حروف ومعان، صممه الفنان الإماراتي مطر بن لاحج في تصوير لعبارات أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قال فيها: «الثروة الحقيقة هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يسخر لخدمة الشعب». وبالوصول إلى الحديقة الخارجية لقصر الوطن، فهي لا تقل وزناً وإبهاراً باحتضانها لنسختين من الفضة لـ «طاقة الكلام»، مما يعكس التراث المعماري العربي برؤية عصرية. تمثل كل منهما مقولة مختلفة للوالد المؤسس، جاء في الأولى: «إن تعليم الناس وتثقيفهم في حد ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة، ونحن نبني المستقبل على أساس علمي». وفي الثانية: «إن العلم والتاريخ يسيران جنباً إلى جنب، فبالعلم يستطيع الإنسان أن يسطر تاريخه ويحفظه للأجيال، لتطلع عليه وتعرف ما قام به الأجداد والآباء».
بنية رخامية
اللمسات الهندسية الساحرة على البناء المعماري لقصر الوطن تركت انطباعها الواضح عند واجهته الشامخة، والتي توحي بجاذبية تتخطى حدود الزمن وتقاوم العوامل الطبيعية ببنيتها الرخامية الصلبة، حيث يحافظ اللون الخارجي الأبيض على برودة البنيان من الداخل نظراً لقدرته على عكس ضوء الشمس وحرارتها. ولأن كل تفصيل في «القصر» لم يأت بالصدفة، وإنما بالتوازي مع رسالته الوطنية، جاء اللون الأبيض هنا ليرمز إلى اتحاد ألوان الطيف في لون واحد، مما يجسد قيم النقاء والسلام والتعايش التي تؤكد عليها دولة الإمارات.
ومن القاعة الرئيسية للقصر تتوالى الأقسام المتداخلة بانسيابية راقية لا تكفيها جولة واحدة، مع صعوبة التخلي بسهولة عن مشهدية مصقولة بحرفية والانتقال إلى أخرى لا تقل روعة، الأمر الذي يستدعي دعوة لفرز الزوايا الهندسية المتفردة بالشكل أو بالنوع أو بالزمن والمصدر. ومع كل جولة جديدة استكشاف جديد، وولوج عميق إلى الإرث المعرفي المادي والمعنوي الجاري الحفاظ عليه كثروة وطنية لا تضاهى.
رحلة مرئية
ولا تقتصر معالم الجذب بالتجول في أرجاء «قصر الوطن» على التصاميم والمعروضات، وإنما تخاطب حواس الجمهور من خلال عرض «الضوء والصوت»، الذي يكشف مسيرة التقدم في الدولة عبر رحلة مرئية من 3 فصول تنتقل من تاريخ الدولة إلى حاضرها ورؤيتها المزدهرة. ويقدم العرض أمسيات تتيح فرصة الاستمتاع بمشهد فني بديع يقام على الواجهة الخارجية للمبنى الرئيسي بأسلوب يمزج بين أحدث التقنيات السمعية والبصرية لإبراز روح الأصالة التي شكلت بوابة النهضة والعمران والتقدم. وتقام العروض أيام الخميس والجمعة والسبت عند الساعة 7:30 مساءً ولمدة 15 دقيقة.
الوجهة المفضلة
وحصد قصر الوطن قبل بضعة أسابيع جائزة «الوجهة المفضلة للزوار» خلال حفل توزيع جوائز مجلس الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا للترفيه والجذب السياحي «مينالاك» 2020، الذي نظم افتراضياً هذا العام. ويعد التكريم دليلاً على مكانة «القصر» كمعلم عمراني ودولي بارز. ويضم «القصر» مخطوطات لا تقدر بثمن توثق على مر العصور مساهمات المفكرين العرب في مجالات علم الفلك والفنون والآداب، والكتب المقدسة الثلاثة بما فيها النسخة الأصلية من مخطوطة برمنجهام للقرآن الكريم.
مسيرة
تتجلى صورة الحفاظ على الموروث الوطني في «القصر»، عند مكتبته التي تضم نتاجاً قيماً من كتب ومستندات عن تاريخ الدولة، تروي مخطوطاتها مسيرة البناء والإنجاز في مختلف الميادين.
5000 شكل هندسي
أكثر الحقائق دلالة على حجم تصنيف «القصر»، أن الأعمال الفنية التي رسمت ملامحه تتألف من 5 آلاف شكل هندسي وطبيعي ونباتي متنوع مستوحى من طبيعة المنطقة.
مواقيت
يستقبل قصر الوطن زواره أيام الأحد والثلاثاء والأربعاء من الساعة 10:00 صباحاً حتى الساعة 6:00 مساء، ويومي الخميس والسبت من الساعة 12:00 ظهراً حتى الساعة 7:30 مساءً.
