الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«فلق المحار».. سيرة تتجدد بمهرجان الشيخ زايد

فلق المحار حرفة تستعيد مهارات الأجداد
7 فبراير 2021 00:03

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

يحظى الإرث الإماراتي الأصيل، من عادات وتقاليد أصيلة وحرف يدوية، باهتمام بالغ من زوار مهرجان الشيخ زايد، الذي يحمل رسائل تعليمية وتثقيفية تهدف إلى صون التراث الإماراتي والاعتزاز به، حيث يعتبر المهرجان معرضاً مفتوحاً وفرصة مميزة لعرض أعمال الكثير من الحرف اليدوية الإماراتية بمنطقة الحرفيين. والتي تشكل محوراً مهماً من رحلة الزائر، الذي يمكنه التعرف إلى تشكيلة كبيرة من الحرف التقليدية، عبر مجموعة من الحرفيين المهرة الذين يستعرضون مهاراتهم ضمن ورش حية، كتأكيد على تمسك الشعب الإماراتي بتراثه العريق. 
ويتعرف الجمهور إلى ممارسة الكثير من الحرف القديمة ويكتشفون أسرارها وكيف تم الحفاظ عليها وتناقلها جيلاً بعد جيل، خاصة فيما يتعلق بالمحار، الذي يستعمل اليوم أصدافا في أعمال الديكور وصنع المجوهرات، وهو ذاكرة تتجدد عن الماضي البعيد.

  • تدريب على صناعة القرقور
    تدريب على صناعة القرقور

يتوافد زوار المهرجان إلى ركن صناعة القراقير، حيث يستمتعون بحرفية صانعيها، بحيث لم تتمكن أي آلة من إقصائها مثل الكثير من الحرف التقليدية الأخرى، وخصوصاً أنه لا يمكن صناعة القرقور الذي يستخدم في صيد الأسماك إلا بشكل يدوي. وأثناء انهماكه في تشكيل القرقور عبر أسلاك معينة، يعمل الحرفي على تقديم شرح وافٍ للزوار عن هذه الأقفاص التي تستخدم لصيد الأسماك، وتأخذ شكلاً بيضاوياً بقاعدة مسطحة من الأسفل، فيه فتحة مخروطية تسمح بمرور الأسماك إلى الداخل بسهولة وبطريقة ذكية تمنعها من الخروج مرة أخرى. ويثبت داخل القرقور حجراً ثقيلاً يمكنه من الغطس إلى القاع، كما يربطه بعلامة تطفو على سطح الماء ليستدل عليه الصياد عند العودة لاستخراجه من الماء في نهاية عملية الصيد. 

  • «الديين» من الحرف البحرية الأصيلة
    «الديين» من الحرف البحرية الأصيلة

الغواص
على جانب آخر، يمارس أحد الحرفيين صناعة «الديين»، وهو عبارة عن سلة مشبكة مصنوعة من حبال «الكمبار» أو القطن، يضعها الغواص في عنقه ليجمع فيها المحار أثناء الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. ويعمل الحرفي كذلك على تقديم شرح تفصيلي للزوار عن رحلة الغوص والأدوات كافة التي كانت تستعمل أثناء نزول الغواص إلى قاع البحر، واضعاً على أنفه «فطاما»، وهو يشبه الملقط ليمنع التنفس أو دخول الماء إلى الأنف، وعند نزوله إلى القاع يربط في قدمه حصاة عبارة عن حجر أو رصاص يتراوح وزنه من 10 إلى 14 رطلاً، فإذا وصل نزعها بوساطة الحبل المسمى «الزيبن».

  • منطقة الحرف منصة للاطلاع على التراث
    منطقة الحرف منصة للاطلاع على التراث

ورشة مفتوحة 
وتمثل منطقة الحرف منصة للاطلاع على التراث الإنساني وإرث الأجداد وكل ما يتعلق بمهنة البحر وطريقة عيش أهل الساحل، ينقلها الحرفيون بمهرجان الشيخ زايد لتشكل ورشة مفتوحة يتعلم فيها الكبار والصغار كيف اتسمت حياة الأولين بالكد والتعب. وتستقبل المنطقة يومياً الجمهور من مختلف الجنسيات ممن يرغبون في تعلم فلق المحار قديماً وما ارتبط به من قصص، حيث يتحول الحرفيون إلى رواة ينقلون تفاصيل حياة البحري للأجيال، بما يضمن استمرارها.

  • أحمد الحمادي يفتح نافذة على ما كان يقوم به الآباء والأجداد (تصوير: عادل النعيمي)
    أحمد الحمادي يفتح نافذة على ما كان يقوم به الآباء والأجداد (تصوير: عادل النعيمي)

تراث إنساني
ويقدم الوالد أحمد الحمادي من نادي أبوظبي للرياضات الشراعية واليخوت، عرضاً حياً في رواقه مع مجموعة من الحرفيين الذين ارتبطوا بمهنة صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ويروي لجمهور المهرجان وللأجيال الجديدة تفاصيل عن مهنة فلق المحار التي ارتبطت بالأجداد والتي شكلت مصدراً للرزق لسنوات طويل، وينقل هذه الحرفة للأبناء كتراث يجب الحفاظ عليه، ويشارك الحمادي في المهرجان ضمن معرض مفتوح للمهارات يستعرض فيه حرفته التي ارتبط بها لسنوات، ويفتح نافذة على ما كان يقوم به الآباء والأجداد. 
ويذكر أنه أتقن هذه الحرفة التي تأتي في مقدمة الحرف التراثية التقليدية وقد ورثها عن والده منذ كان طفلاً، حيث كان يرافقه إلى البحر، حتى تعلم كل المهن المرتبطة بها، لاسيما أن كثيراً من أهل الساحل يعملون في صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وهو في كل مرة يشرح أمام الجمهور كيف شكلت ضمن حرف أخرى يدوية مصدر دخل للأجداد، داعياً عبرها إلى استمرار إحياء التراث والحفاظ عليه، باعتباره جزءاً من هوية المجتمع.
 
مهنة الصبر والأمل
ويقول الحمادي: إن علاقته بالبحر ما زالت قائمة، على الرغم من تغير الظروف والأحوال، وذلك من خلال مشاركاته في مختلف المهرجانات التي تعمل على إحياء التراث، بينها ما يقدمه من عروض حية أمام جمهور مهرجان الشيخ زايد، مؤكداً أهمية تعليم هذه الحرف التراثية للأجيال الجديدة من أجل العمل على حفظها من الاندثار. 
ويشير إلى أنه تعلم الكثير من هذه المهن منذ كان طفلاً، يدرس في «كتّاب» حفظ القرآن الكريم، وكذلك من والده وأخواله وأعمامه الذين اكتسب منهم مزاولة مهن البحر، كباقي أبناء منطقته التي كانت تعيش على الصيد والغوص. وللحمادي خبرات كثيرة يتعرف من خلالها على أجود أنواع اللؤلؤ، مبيناً أنها متنوعة. ويوضح أن هذه المهنة كانت تختلط بكثير من المشاعر، وتحمل الكثير من الغموض، حيث لا يمكن التكهن بما تحمله المحارة من لآلئ وأنواعها وجودتها؛ لذلك فهي من المهن التي تتطلب الصبر وهي مهنة الأمل والتفاؤل، ويتأمل فالقو المحار أن يحظوا بحبات لؤلؤ ذات جودة عالية، مما يغير حياتهم للأفضل، ولطالما كان الحلم بأن يتم العثور عليها أثناء مهنة فلق المحار. 
 
مخاطر القرش
ويروي الحمادي كيف كانوا قديماً يغوصون في «الهيرات»، وهي المناطق التي يوجد فيها المحار، موضحاً أن الغوص كان من أصعب المهن وأكثرها خطراً، إذ إن الكثير من الأهالي فقدوا أبناءهم في هذه المهنة الصعبة. وكان الغواصون يعانون بعض الأمراض والإصابات، وكانوا يغامرون بحياتهم من أجل اللؤلؤ، خصوصاً عند تعرضهم لمخاطر أسماك القرش والإصابة بالجروح أثناء التقاط المحار بين الصخور. 
ويشير إلى أن الغواص كان يقوم في اليوم الواحد بغطسات عدة لجمع المحار، ويستريح بين كل جولة وأخرى، لافتاً إلى أن أشهر الصيف هي موسم الغوص بحثاً عن اللؤلؤ. 

رزق البحر
رحلات الغوص كانت مضنية في أعماق البحر، للبحث عن اللؤلؤ، حيث كان الغواصون يغيبون عن أسرهم لجلب الرزق من 4 إلى 6 أشهر، ويروي الحمادي أن الغوص كان مصدراً أساسياً من مصادر المعيشة لأهل الساحل، مؤكداً أن رحلة الغوص تبدأ من اختيار الغواصين وتسجيلهم إلى مكان وجود المحار، وصولاً إلى الغوص وجلب المحار والبدء في فلقه بحثاً عن اللؤلؤ.

رحلة إلى القاع
كان الغواص يحمل معه «الديين» و«الحجر» و«الزبيل» و«الفطام» والسكين، ثم ينزل إلى قاع البحر. وعندما يملأ «الديين» يعطى إشارة لسحبه إلى الأعلى وبعدها تبدأ عملية فلق المحار على سطح السفينة، وبعدها يحوّل محتوى المحارة إلى الطهي، أما الصدفة فيتم رميها.

أدوات الغوص
أبرز أدوات الغوص التي كانت تستعمل في فلق المحار هي: «ديين» كيس يعلق حول الرقبة، «الفطام» يوضع على الأنف أثناء الغوص و«المفلقة» وتستخدم لفتح المحار وإخراج اللؤلؤ.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©