الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

هل تلغي «كورونا» بذخ الأعراس؟

هل تلغي «كورونا» بذخ الأعراس؟
2 فبراير 2021 00:20

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

على الرغم من السلبيات الكبيرة لفيروس «كورونا»، يرى البعض أن له إيجابيات كثيرة، أهمها تيسير الزواج، وإلغاء تكاليف الحفلات ومظاهر الأعراس الضخمة لتقتصر على الأهل والمقربين، مع التركيز على مفهوم الزواج كمؤسسة قائمة بذاتها.
ومع أن ليلة العمر تتخذ هذه الفترة مظاهر مختلفة، إلا أن الغالبية تحبذ الزواج الميسر، وتعتبره فرصة لفتح بيت وبداية مشوار جديد من دون ديون أو تكاليف قد تعصف بالحياة الأسرية. ويؤكد كثيرون أن نفقات حفلات الزواج كانت قبل الجائحة باهظة وتثقل كاهل الزوج، حتى إنها كانت تتسبب أحياناً بمشاكل بين الشريكين، فيما يرى آخرون أن الظروف الاستثنائية التي فرضتها «كورونا»، تؤسس لمفهوم جديد للزواج، وتدفع إلى التخلي عن بعض السلوكيات التي تنجم عنها أعباء مجتمعية كثيرة.

عادات وسلوكيات
ويرى اختصاصيون واستشاريون أسريون أن فئة الشباب ترى في هذه الفترة فرصة لعقد قرانها، وبات الإقبال على الزواج لافتاً، حيث يقتصر الحفل على العائلة. 
ووفقاً لدائرة القضاء في أبوظبي، فإن الخدمات العدلية والقضائية وإدارة الكاتب العدل والتوثيق استمرت في ظل أزمة «كورونا»، ووصلت الأرقام منذ بداية الأزمة حتى منتصف ديسمبر من العام 2020، إلى 44.127 معاملة منجزة عبر تقنية الاتصال المرئي، منها 3.689 معاملة عقد زواج، وإذ تسببت الجائحة في التراجع عن بعض العادات والسلوكيات، أصبح العرس يقتصر على 50 شخصاً أو أقل، بدلاً من 400 شخص في السابق، وتراجع كثيرون عن إقامة العرس والاكتفاء في حجز الفندق والعشاء، فيما تحول آخرون إلى تنظيم حفل صغير في البيت، ولجأ البعض إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان الزواج. 

تسهيل 
وأكد الدكتور عبد العزيز محمد الحمادي، مدير إدارة التلاحم الأسري في هيئة تنمية المجتمع، أن «كورونا» أثرت بشكل سلبي على مختلف أمور الحياة، لكن لها إيجابيات كثيرة في تغيير بعض السلوكيات والطباع في المجتمع، ومنها تنظيم الأعراس وتكاليفها، وهي أمور كان يعانيها المجتمع منذ عدة سنوات. وأوضح أن الجائحة غيرت بعض العادات لا سيما في مجال تبسيط عقد القران وتسهيل الأعراس، ودعا جميع الأمهات والآباء لتبني هذه السلوكيات الطيبة، وإقامة الأعراس البسيطة، والابتعاد عن مظاهر البذخ والصرف والتكيف مع الظروف الحالية.
ويؤمن الفنان منصور الفيلي، بأن أقل البنات مهراً أكثرهن بركة، حيث عمل على تزويج ابنته بسورة من القرآن الكريم كمهر لها، وذلك لتيسير الزواج، وطرح البركة فيه، ودخول الحياة الزوجية بلا ديون. ويرى أن مظاهر البذخ والمغالاة في طلب المهر وإقامة الأعراس والولائم قد تترتب عليها أعباء تعطل حياة العروسين، وقد تتسبب في مشاكل أسرية كثيرة، ويدعو الفيلي الآباء والأمهات إلى الاقتصاد في إقامة حفلات الأعراس، حتى بعد انقضاء الجائحة لتجنيب أبنائهم الضغوطات المالية في المستقبل. 

يقظة اجتماعية
ويرى الموجه الأسري يحيى الحربي أن الجائحة ساهمت في إحداث يقظة ثقافية اجتماعية داهمت المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص، وقد طاولت العادات والأعراف المستحدثة المرتبطة بالزواج، ومنها ارتفاع تكاليف الأعراس، إذ بلغت تكلفة بعض حفلات الزفاف قبل الجائحة 300 ألف درهم، وبعضها تخطى حاجز النصف مليون درهم. وكانت هذه المبالغ الطائلة تنفق في ليلة واحدة، وتشمل حفل الزفاف وتجهيزات القاعة وما يعقبها من نفقات مرتبطة بالسفر وشهر العسل. الأمر الذي أدى إلى عزوف بعض الشباب عن الارتباط، وارتفاع سن الزواج وظهور العنوسة وارتفاع معدلات الطلاق، وخصوصاً طلاق ما قبل الدخول وزيادة معدلات الزواج من الأجانب. وأوضح الحربي أن الجائحة أحيت ملامح مندثرة من الزمن الجميل الذي امتاز بالبساطة واليسر في الزواج، حيث دفعت بإقامة الاحتفالات البسيطة التي تجمع أسرتي العروسين وعدداً محدوداً من الأهل والأقارب، وذلك التزاماً بالإجراءات الوقائية من الوباء. وهذا ما ساهم بشكل ملحوظ في زيادة عدد عقود الزواج في الدولة، بالإضافة إلى تدنٍ واضح في عدد الخلافات الزوجية الناشئة عن تدخلات الأهل. واعتبر أن الاستقرار الأسري والسعادة الزوجية بعيدة كل البعد عن المظاهر المزيفة، وغير مرتبطة بالترف والكماليات، بحسب قول رسول الله ﷺ: «خير الصداق أيسره، وخيرهن أقلهن مؤنة». 
وتعتبر نضال الجابري، مؤلفة كتب ومقدمة استشارات أسرية، أن اختفاء مظاهر التباهي والتفاخر يساوي بين الجميع، ولا سيما أن مظاهر نقل حفلات الأعراس على وسائل التواصل الاجتماعي اختفت، وباتت الأعراس تقتصر على العائلة والمقربين جداً، مما أدى إلى انخفاض تكاليف الزواج مع إلغاء الحفلات الكبيرة والولائم والتصوير وتجهيز الورود والملابس وبطاقات الدعوات، والتركيز على الهدف الحقيقي من الزواج، المتمثل في تنشئة أسرة. 

بداية صحيحة
وقال محمد الجعيدي، موظف في إدارة مالية: إنه بالرغم مما يمثله الوباء من تجربة صعبة، فقد علمنا أن هناك أشياء يمكن التخلص منها والاعتدال في الإنفاق، ودعا إلى ضرورة تقليل تكاليف الزواج حتى بعد انتهاء «كورونا»، بما يدعم توجه القيادة الرشيدة لتيسير أمور الزواج، مؤكداً على ضرورة دعم هذا التوجه من الأهل والمجتمع لتخفيف الأعباء على حديثي الزواج. ودعا إلى إعادة النظر في النفقات الأخرى التي لم تتغير بعد، مثل المهر والشبكة، وهي أمور تحتاج إلى تغيير، بحيث تكون بسيطة في كل مراحلها من أجل بداية صحية للزوجين تكون خالية من الديون. 
وأكدت غنيمة تراب، مدربة في التطوير الذاتي والإداري، أن وباء «كورونا» غيّر الكثير من العادات والسلوكيات التي كنا نعيش عليها، سواء على الصعيد النفسي أو الصحي أو الاجتماعي أو الاقتصادي. وأوضحت أن الزواج يعتبر من التقاليد الراسخة في منطقة الخليج، وفي دولة الإمارات، واستجابة للقرارات الحكومية والجهات الرسمية لوقف التجمعات بالدولة، تراجعت بعض السلوكيات التي كنا نراها من التعبيرات المجتمعية الأساسية في التزامنا المجتمعي والقبلي، وتغيرت جذرياً، مما يدفعنا للتفكير في أن القيم والعادات المجتمعية تتسم بالمرونة، وهي قابلة للتغيير حسب الظروف وأحوال المجتمع وأفراده. وأكدت تراب أننا كمجتمع بإمكاننا إعادة إنتاج مثل هذه العادات بطريقة متناغمة، ونحن أمام مسؤولية البحث عن الحلول والبدائل الممكنة التي تحمي حقوقنا وتحفظ التباعد الجسدي. وقالت: «نتفق على أن منظومة القيم والعادات والتقاليد إرث له جذوره وأصوله وتراكماته وتبعاته التاريخية، ومثل هذه السلوكيات مرت بأجيال متعاقبة وهي السمة المعينة التي نصف بها مجتمع معين، فالإجراءات الاحترازية لا يجب أن تفقدها من حيوتها وبريقها ولا تشوه صورها، لأن الفيروس طارئ، ومن الضروري أن تتسم السلوكيات بالمرونة». واعتبرت تراب أن هذه المرحلة تؤسس لمراحل جديدة في ترشيد تكاليف الزواج، ومن المفيد أن نعتبرها فرصة لنحولها بما يتناسب مع محيطنا.

ظاهرة للدراسة
قال الدكتور محمد أبو العينين أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمارات إن جائحة «كورونا» غيرت في كل شيء، ولم يسلم منها الزواج، وباتت الأعراس تقتصر على عدد محدود من المدعوين، موضحاً أن هذه الفترة يجب أن تخضع للدراسة لأنها تؤسس لسلوكيات وعادات جديدة في المجتمع، والتي قد تتغير للأبد. وأضاف: «من المعروف من بحوث علم الاجتماع أن الأشخاص يقبلون على الحياة بحب حينما تتوفر لهم الظروف الملائمة، أما حينما يفتقدون إلى الأمان المادي والنفسي فإنهم يترددون كثيراً قبل المضي قدماً في حياتهم بما في ذلك مشروع الزواج، وأنا على يقين بأن إحصائيات الزواج والطلاق ستشهد تغيرات كبرى خلال فترة الجائحة».

بيت العمر
تصف الخبيرة النفسية والاجتماعية الدكتورة بنة يوسف بوزبون من مؤسسة التنمية الأسرية، الزواج العائلي في زمن «كورونا» بأنه فرصة للشباب، مشيرة إلى الإقبال على الزواج خلال هذه الفترة، بسبب قلة النفقات والتوجه نحو اقتصار العرس على العائلة. وترى أنه في السابق كان الشباب يشتكون من نفقات الأعراس والأمور المبالغ فيها، لدرجة كانت التوجهات الحكومية تدعو دائماً إلى الاختصار في تكاليف الزواج، وهذا ما لمسناه من خلال إقامة الأعراس الجماعية لمساعدة المتزوجين على دخول قفص الزواج بأبسط النفقات.  وذكرت أن هذا النوع من الإجراءات يسهل على الشباب في الحياة الزوجية، ويمحو الأفكار الخاطئة، بأن الزواج لا يكتمل إلا بعرس فخم وبحضور عدد كبير من الناس. وأصبح الزواج العائلي المختصر يجنب التوتر والقلق الناجم عن تراكم الديون، مما يحقق التواصل الفعال ورفع مستوى السعادة ونجاح الحياة الزوجية. وأضافت بوزبون أن الشباب باتوا يعون الظروف الحالية، وعلى الرغم من أن حفل الزفاف هو بمثابة حلم العمر للفتيات، إلا أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع تنازلت عن هذا الحلم، وفضلت الاستفادة من المبالغ المالية لبناء بيت العمر.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©