الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: متى ينبغي التوقف؟

د. شريف عرفة يكتب: متى ينبغي التوقف؟
30 يناير 2021 00:03

يصيبني الملل سريعاً، ولا أستطيع الجلوس دون عمل شيء لفترات طويلة.. وهو ما جعل نشاطاً عادياً كقيادة السيارة وانتظار فتح الإشارة أموراً تفوق قدرتي على التحمل.. لذا يحلو لي الاستماع لبرامج «البودكاست» بما فيها من لقاءات مطولة مع مفكرين وأناس متفوقين في مجالهم للتعرف على آرائهم.. ومن بين ما سمعت، حوار لجو روجان مع أحد النجوم الذين كنت أتابعهم في الماضي، روني كولمان..
هل تعرفه؟
فاز روني كولمان ببطولة كمال الأجسام «مستر أوليمبيا» ثماني مرات متتالية.. في إنجاز غير مسبوق في تاريخ هذه البطولة.. إذ لا يستطيع لاعبو كمال الأجسام الحفاظ على تكوينهم العضلي بالشكل نفسه طيلة حياتهم؛ نظراً لما ينتابه عند التوقف عن التدريب والتقدم في السن.. إنجاز كولمان يفوق قدرات البشر، كما يؤكد خبراء اللعبة.. في هذا الحوار تحدث الرجل عن شغفه بالتدريب، وكيف أنه لا يزال يمارسه يومياً دون انقطاع؛ لأنه أصبح جزءاً أصيلاً من شخصيته وهويته الذاتية، فلا يستطيع الانقطاع عنه.. كان الحوار يسير على هذا المنوال، إلى أن ألقى مقدم البرنامج قنبلته المدوية.. حيث سأل:
- ومنذ متى تجلس على كرسي متحرك؟
صدمتني العبارة لدرجة أنني قمت بإعادتها للتأكد مما سمعت.. تحدث الرجل عن الآلام المزمنة التي يعانيها والإصابات التي تعرض لها والجراحات التي أجراها لإصلاح العمود الفقري وكسور الحوض لدرجة عجزه عن الانحناء.. وكيف أن الشعور بالألم أصبح جزءاً من حياته اليومية.. لم أصدق أذني حين انتهى الحوار بمقدم البرنامج وهو يرشح طبيباً جيداً تعاملت معه والدته وأراح آلامها، ليشكره روني كولمان بامتنان حقيقي بصوت واهن..
أتأثر كثيراً بمثل هذه المواقف التي يغيب فيها المجد عن بطل أسطوري.. مشهد يتكرر كثيراً بسياقات متعددة، وقد شهدته بشكل شخصي مع أناس عرفتهم من كثب.. فنان عظيم أو كاتب كبير لا تظل أعماله بالمستوى نفسه، فينفض عنه القراء.. مطربة كانت ملء السمع والبصر، أشهد حفلها الحي وألاحظ ما اعترى صوتها وكيف تحاول مداراته بالكورال والموسيقى.. ليس النجاح سهماً صاعداً إلى مالا نهاية كما يوهمك البعض، بل إن له قمة تبدأ بعدها القدرات في الانحدار.. هناك شركات كبرى انهارت بسبب توسعها أكثر من اللازم، وإمبراطوريات كبرى وهنت ليطمرها التاريخ.. فهل نتوقع غير هذا لإنسان فرد؟
ما أؤمن به تماماً، هو أن هناك وقتاً مثالياً للتوقف.. لتغيير النشاط.. أو تغيير الطريقة التي تقوم بها بما تفعله.. كثيراً ما ينتاب المرء وهن أو جمود ذهني عند التقدم في السن.. سير آرثر كونان دويل مبتكر شخصية المحقق العبقري شيرلوك هولمز، رمز المنطقية والعقلانية، قضى سنواته الأخيرة معتقداً في وجود أقزام الغابة وجنيات قصص الأطفال، ملقياً محاضرات لإقناع الناس بمثل هذه الأمور.. من الحكمة أن يتوقف المرء في قمة تألقه؛ كي لا يتأثر إنتاجه المهني وتتغير صورته في أذهان محبيه..
لا يحدث هذا في الفن فقط.. فكثير من اللاعبين الرياضيين ينتقلون للعمل مدربين، ليس تكاسلاً منهم، بل إدراكاً لحدود قدرات الجسم البشري، واستكمالاً لدورهم في مساندة من يستلهمون مسيرتهم ويعتبرونهم قدوة لهم.. وهو عمل مختلف في تفاصيله وتحدياته عن العمل كلاعب، لكنه لا يقل عنه أهمية..
يعتبر الناس أن النجاح يعني المثابرة والاستمرار..
إلا أن التوقف في الوقت المناسب لتغيير الدفة، جزء من مسيرة النجاح أيضاً..
أن يقال إن المرء توقف مبكراً..
خير من أن يقال: لماذا لا يتوقف؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©