عدد اليوم
نبحث عن ظل للشمس، نسير نحو الضوء الخجِلِ الشفيف، نسبرُ غيمة عابرة علّها تلقي بشيء من الدفء نؤوب إليه متى ما اتسعت حدقة البرد، وصار بوسعه أن يجلّلنابهيبته ويغشانا بسحره النبيل، عند ظلّ الشمس تبدو الأشياء أكثر إشراقاً ونضارة واتساعاً وهدوءاً، تتمدد الرؤية حتى نصير والشمس شيئين يتقاربان، يتوحدان، يتنافران، تتقافز الأضواء بينهما، كأنها قمر.
في منتصف النهار بين القيظ والمدى تبدو الانتظارات بوابة الأمل القابض على دواخلنا كصفصافة العمر، تنبت، تكبر، تزهو، تصير وشاحاً من الفرح، وشالاً من السعادة حين تحتوينا، تكون صديقة وارفة الأغصان، كريمة، معطاءً مثل قلب صادق، قريب وحبيب، من حولنا تنثر زهور الأمان، ومن أغصانها تُشتّل جديلة وفاء.
مراوغ هو الظل حين يصير واحداً منّا، كثيراً يشبهنا في حالاتنا الإنسانية المتغيّرة والمتقلّبة، يهرب من مساحة إلى أخرى، يندسّ بين الطرقات، يشاغب الوجوه، يتراقص مثل حبّات مطر، يروح نحو الدرب اليقظِ، يقرأ سيرة الدفء، وحكايات الشتاء، يتلمسُ حنين الشعراء، وجنون العاشقين الغارقين في مديح الضوء، الحالمين بقصيدة لهم وحدهم تبعث وميض الشوق، وتُلوّن الفضاء.
عند الظل تعيش الكائنات البهيّة، تلك التي تتواشج والبرد، تحت ردائه ترمي بشالِ الضوء، تتدثر، على دواخلها تتقوقع ويتعربش بها وميض الماء، وودقُ اللحظات الدافئات المُختبئات في سالفة قديمة، وحكاية سردتها الجدّات ذات مساء حين يحلّق الأطفال في شوق يحاكون البدايات، ونحو النهايات يروحون بين ظنٍّ وتمنٍّ وارتقاب.
تتسع ذاكرة الصحراء، يصير للرمل لون الذهب، وللريح فاتحة الارتواء، ويصير لعصفور اللحظة أن يطير، وللحمام أن يغرّد،
يبتع ُ الظّل ويغرّد، لا بأس في رعشة بردٍ، ولسعةِ دفء، ووشاية وردة رازَجيّةِ العطر، فاتنة الحضور، خدرٌ طيفُها إذَا عبَر الأجواء، في المكان الفسيح فرصة للقفز، للفرح، للتحليق، لزفّ بشرى الانعتاق، للغوص في أعماق الروح سيراً نحو النهار.
وللنهار صوتٌ وماء، عند الحقول يبتسم للبدايات الطالعات من فجر الكلام، نحو أسراب الطيور، وأناشيد الغَمام، يتعانق الضوء والبحر، والصحراء والامتداد، تتلون الأيام بما يُشبه اللوحة الأثيرة التي يملؤها البياض، ويستنطقها الفَياض الغارق في التفاصيل الصغيرة عند انبلاج الأحلام وصوت البرد يلتحفُ الفضاء.
تعشبُ أرواحنا بالفرح كلما أزفَ خريفٌ وجاء الشتاء، يطلعُ قوس قزح، تسيل السماء بالماء، تتورد الزهور، يطير للأجواء احتفالها النّديّ، وللأطفال شغبهم البهيّ، وللكبار حضورهم السّخي، عند الظل تسكنُ النجوم، وتبسمُ السماء.
