السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة: الجذور النفسية للانتماء!

د. شريف عرفة: الجذور النفسية للانتماء!
4 ديسمبر 2020 02:15

لا تزال نظرية أبراهام ماسلو للاحتياجات الإنسانية واسعة الاستخدام حتى يومنا هذا في كثير من المجالات.. حين ظهرت هذه النظرية كان علم النفس نوعاً من الفلسفة، غير متبع للمنهج التجريبي والدليل الإحصائي، بل على تأمل الظواهر النفسية ومحاولة سبر أغوارها عن طريق التفكير التحليلي والتركيبي، الاستنباط والاستقراء.. في منتصف القرن الماضي درس ماسلو سير العظماء الذين وصلوا لأعلى درجات الارتقاء النفسي، وفحص تفاصيل حياتهم، ليستنتج نظريته الشهيرة، هرم ماسلو للاحتياجات.. بمقتضى هذه النظرية: لا يستطيع الإنسان إشباع أي احتياج نفسي، إلا بعد إشباع الاحتياج الذي يدنوه في الترتيب الهرمي للاحتياجات الأساسية... حيث كانت هذه الاحتياجات الخمسة بالترتيب من أدنى الهرم لأعلاه: الاحتياجات الفسيولوجية كالطعام والشراب، ثم الاحتياج للأمان، ثم الاحتياج للانتماء، ثم الاحتياج للتقدير، ثم في النهاية الاحتياج لتحقيق الذات.
ما يمكننا تأمله بمزيد من التفصيل، هو محورية الشعور بالانتماء للحفاظ على بنياننا النفسي.. يمكن تعريف الانتماء بأنه الشعور بالاندماج في منظومة أكبر، بحيث يرى الإنسان نفسه جزءاً لا يتجزأ منها.. تشكل هويته ونظرته لنفسه.. ومهما كان المرء فردانياً مستقلاً، يرسخ شعوره بالانتماء جانباً مهماً من شخصيته.. حتى إن كان انتماء لعلاقة مقربة أو حتى الانتماء لفكرة أو منهج تفكير.. قد تضيق دوائر الانتماء لكنها لا تزول.. وتتسع لتتجاوز الانتماء للأسرة، إلى الانتماء للعائلة الأكبر: المجتمع والوطن..
قيمة الانتماء عظيمة تسبغ معنى لحياة الإنسان لدرجة استعداده لبذل حياته في سبيلها، ليس الانتماء مجرد شعار قومي، بل ركيزة للاستقرار النفسي.. «يعيش فيها ولا نعيش فيه» كما يصف القول المأثور الوطن.. فمهما ذهبت، سيظل الوطن حاضراً في أعماقك تستدعيه من بين ثنايا عقلك مستحضراً الشعور بالحنين لذكريات صلبت شكلت ذاتك وصاغت شخصيتك وجعلتك ما أنت عليه.. الوطن ليس حاضراً في أعماقك بل هو جزء أصيل من ذاتك.
الشعور بالانتماء مرتبط بتصالح الشخص مع نفسه.. مع هويته وذكرياته وتكوينه النفسي ذاته، ومصدر لمعنى حياته وهدف للتفاني والتضحية والتعلق، وبدون هذا الشعور بالانتماء والدعم يتصدع هرم ماسلو، ولا يستطيع الإنسان أن يكون مدفوعاً بأهداف تعكس نضجاً نفسياً أكبر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©