الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

حديثُ قلب

حديثُ قلب
23 نوفمبر 2020 01:33

كم من البشر مرّوا بنا؟ وعبروا على شطآن قلوبنا، وسكنوا أعماقنا، وشاركونا تفاصيلنا اليومية، تعايشوا معنا بحبٍ ومعهم تعايشنا بوفاء، وكم من الأحباب جاؤوا على غير موعد ليطرقوا عتبات قلوبنا؟ وكم من الأحبة ذهبوا دون التفاتةٍ أو إيماءةٍ أو تذكار؟ وكم من رفقة ألفناها وفقدناها؟ وكم من وجوهٍ تحِنّ إليها قلوبنا، وتشتاقها أوقاتنا في حنينٍ ورغبة مكنونة للوصال؟
أسئلة كثيرة تُشاغبُ أذهاننا، ترمي بأسئلتها الحادة والصعبة والرقيقة في آنٍ معاً، نتنزّ الأسئلة كما النبت في أرض اليباس، يروح في زمن الجفاف يحرّك سواكننا وأسئلتنا، تُرى ماذا تمثل لنا الرفقة باختلاف ظروفنا هيّنةً، طيّعة، مختلفة وقاسية، مرهقة وأنانية، غامضةُ وغريبة، رفقةً قي رقّتها تنغرس مثل زهرة في الوجدان تأخذنا إلى عالمٍ رحِبٍ فيه متسعٌ للجمال والفرح، هواؤه نقيٌّ مُشتهى كفنجان قهوة في صدرِ هواء، أو كقطرة ِماء.
قد تكون الرفقةُ وهي من رفيقٍ وصديق الحلّ الأمثل الذي يعالجُ بعض أزماتنا، وقد تكون الإشكال الأصعب الذي يُقلق أرواحنا، ويُرهقُ قلوبنا حينما ينهار أجمل ما فيها فيجلنا إلى تشكيلة غريبةٍ من خوف ودهشةٍ، وشيء من حذر، هي كالأزمات حين تحتلّ أوقاتنا وتأسرُ بوصلة تفكيرنا، فتبحرُ بنا نحو مناطق واتجاهات ما اعتدناها وما ألفناها، حيناً تحتوينا بدفءٍ وسلام، وحيناً تتحول إلى نارٍ تأكل دواخلنا بصهيدِ وهجها اللّاهب، ونحنُ لا نملك القدرة على مواجهتها إنْ باغتنا صديقٌ بالرحيل تبدّت مراراتها، وأصابنا الوهن، وتشوّهت تفاصيلها الإنسانية الفارهة بكل معانيها، وطهرها، وتجلّياتها.
كثيراً فقدنا أصدقاء، وكثيراً ندِمنا على معرفة آخرين حسبناهم أصدقاء ذهبوا نحوَ أرواحنا دون استئذان، فسلّمناهم عواطفنا ومشاعرنا وثِقتنا واقتسمنا معهم لحظات التراحم والمودة، والسعادة والفرح، عشنا معهم الإخفاقات والنجاحات، تقاسمنا رغيف الخوف والقلق والحيرة، كنّا هُم، وكانوا نحن، في توليفة إنسانية غريبة تحلّق بنا وتغيم، تذهبُ نحو الأنيق من الحديث، والرقيقِ من الشعور، والإنسانيّ من السلوك، والحقيقيّ من الحب.
بعض الصداقات تملأ حياتنا بالفرح، وبعضها يُشاغبنا بالألم، غير أن أجمل صداقاتنا تلك التي نَمت في الطفولة وكبُرت معنا، نحنّ إليها لأنها الأنقى والأجمل، والأكثر استيعاباً لنا، وحضوراً في ذاكرتنا، قد لا نتذكّرها ذات موقف لأن المواقف ذاتها تغيّرت، والزمان غير الزمان، لكن قد تُذكّرنا بها لحظة لقاءٍ عابرٍ ذات فرح، أو عندَ حُزن، أو حين يجمعنا الزمن على حين مصادفة، فتسقطُ دمعة وَلَهٍ، وتستعيدُ الأيام ذاكرتها النّقيّة، إنّها دروس الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©