الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الحي التراثي الإماراتي».. إضاءة على حياة الأولين

«الحي التراثي الإماراتي».. إضاءة على حياة الأولين
23 نوفمبر 2020 01:33

هناء الحمادي (أبوظبي)

وسط حضور جماهيري غفير، انطلق مهرجان الشيخ زايد، تحت شعار «الإمارات ملتقى الحضارات»، فاتحاً أبوابه أمام الزوار الذين توافدوا إلى ساحات التراث والثقافات والحضارات، التي اجتمعت كلها في مكان واحد لتعكس إرث دولة الإمارات، والعديد من ثقافات وحضارات العالم وحرفها الشعبية وفنونها الفلكلورية، وهو ما منح المهرجان بمنطقة الوثبة في أبوظبي الكثير من التنوع والثراء، في ظل التزام الزوار بالإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس «كورونا» المستجد. 
يعدّ الحي التراثي الإماراتي من أبرز مناطق مهرجان الشيخ زايد، إذ يضم العديد من الأجنحة التي تعكس تقاليد الحياة الإماراتية القديمة، بما فيها من أسواق شعبية تعرض المنتجات التقليدية بأيادي الحرفيين الإماراتيين، الذين برعوا في نقل حرفهم إلى الجيل الجديد، من خلال هذه المهرجانات والمناسبات الوطنية المختلفة. 
في أجواء تراثية تعكس الحياة الإماراتية قديماً، يضم الحي العديد من الأسواق التراثية المنوعة، وعدداً من الحرف الإماراتية القديمة التي تفوح منها ذاكرة الماضي بكل تفاصيلها، حيث تتنوع المنتجات والأشغال اليدوية التي تستقبل الزوار بمختلف الجنسيات ليتعرفوا عن قرب على أهم الحرف والمشغولات التقليدية التراثية بأنامل الأمهات اللاتي أبدعن في حرفهن وصنعن منتجاتهن بكل حب وإتقان. 

خلطة «المخمرية» 
«المخمرية»، هي تلك الرائحة العطرة التي تتزين بها المرأة، وواحدة من أهم المُستحضرات التجميلية التي يتم تحضيرها بطريقة آمنة بعيدة عن المواد الكيماوية الضارة، التي تستخدم في صناعة بعض المُستحضرات المختلفة، وتُستخدم المخمرية بشكل خاص للشعر والجسد كواحدة من الطرق الآمنة التي تتبعها المرأة.
 ولية اليعقوبي، إحدى المشاركات في الحي التراثي بمهرجان الشيخ زايد، تقول: «المخمرية الإماراتية يتم تحضيرها من مسحوق أعواد الزعفران المخلوط بسائل دهن العود الأصلي وسائل المسك الأبيض ومسحوق الصندل وعرق الحنا والفل، ثم يتم دفن هذه الخلطة في التراب لفترة تتراوح ما بين عشرة أيام وأربعين يوماً لتتخمر وتعطي رائحة عطرية نفاذة، وتصبح على هيئة خلطة عطرية سائلة تضعها النساء على شعورهن خصوصاً في ليلة الزفاف.
ولدى اليعقوبي موهبة أخرى، تتمثل في خلط العطور العربية والفرنسية بروائح زكية، تعبر عن أصالة وتراث شعب الإمارات، وهي تحرص على اقتناء خلطات العطور العربية رغم دخول العطور الفرنسية للأسواق ومنافستها بشكل كبير، إلا أن حضور الخلطات العربية والبخور المحلي هو الأقوى والأكثر طلباً.
 وتضيف «تأتي خلطات البخور المحلي أو ما يعرف بـ«الدخون» ليتربع على قائمة الطيب الإماراتي، إذ له مكانته الخاصة والمتميزة لدى الكثيرين منذ أمد بعيد، ولا تزال نسبة كبيرة من الأسر تحرص على استعماله بوصفه موروثاً أصيلاً عن الآباء والأجداد، وقد يكتفي البعض باستخدامه في المناسبات والأعياد فقط، بينما يداوم البعض على استعماله بشكل يومي، وفي سبيل ذلك أبدعت المرأة الإماراتية في تصنيع أنواع مختلفة من «الدخون» إلا أن مكوناته في الماضي لم تتعد بعض المواد العطرية البسيطة المتوفرة في ذلك الزمن، مثل سجا العود والمسك والعنبر ودهن الورد ليتم خلطها وعجنها معاً، ثم تُشكل على هيئة أقراص مستديرة تُحفظ للاستخدام فيما بعد».

أشغال يدوية
وتشارك خديجة جاسم في المهرجان منذ انطلاقته وحتى اليوم، لتعرض منتجاتها من الأشغال اليدوية وعطورات الأسرة والجسم والعباءات والشيل والمخاوير، وتقول: «نجح مهرجان الشيخ زايد منذ انطلاقته وحتى الآن في حمل رسائل التسامح والتواصل بين شعوب العالم على أرض الإمارات، ليؤكد نجاح الحدث التراثي الكبير في تحقيق أهدافه، وفي مقدمتها تحقيق التواصل بين شعوب العالم عبر التراث والفنون، ما جعل المهرجان واحداً من أكبر الفعاليات التراثية في المنطقة والعالم، حيث يترقبه الجميع سنوياً للاستمتاع بهذا اللون الفريد من الزخم التراثي والثقافي.
وحباً في إبراز الأشغال اليدوية الإماراتية، شاركت خديجة بالكثير من المنتجات التراثية التي تفوح منها روائح وتراث الماضي، مثل البرقع الإماراتي الذي يزدان بالكثير من المداخن التي تفوح منها راوئح جميلة، مع الحقائب الممزوجة بالخرز والخيوط المزركشة، ودلات الشاي والقهوة التي نقشت بنقشات تراثية مبهرة، في تناسق تام عكست الطابع التراثي في معظم النقشات الموجودة عليها. 
وتقول خديجة إنها تعمل على تحضير هذه المنتجات بنفسها في المنزل، ويقصد الزائرون جناحها كل عام في المهرجان لاقتنائها، لما تتميز به المشغولات من جاذبية وجمال، مؤكدة أن مشاركتها في المهرجان كل عام لا تأتي بهدف البيع أو الربح المادي، بل لأجل التعريف ببعض العناصر التراثية التي تخص المرأة الإماراتية وتهتم بها منذ القدم.

توابل وبهارات 
وفي ركن آخر، تعرض عوشة محمد عبدالله في الحي التراثي الإماراتي من خلال محلها، منتجاتها من التوابل والبهارات التي يعتمد عليها العديد من الشعوب لإضافة نكهات مميزة على وجباتهم، فلا يكاد يخلو مطبخ من أنواع التوابل المختلفة، لإضافة النكهات وتحسين مذاق الوجبات.
ولمحبي البهارات والبزار الإماراتي توضح عوشة أن البهارات تعدها بنفسها من شرائها إلى تنظيفها وتحميصها وطحنها لتخرج بمذاق مختلف، موضحة أنها تأتي بالبزار وتغسله جيداً، ثم تكرر عملية التنظيف إلى أن يصبح الماء صافياً، عندها تتأكد بأنه خال من الشوائب والأتربة، وبعدها نصفيه ونتركه إلى مرحلة التجفيف والطحن حتى يصبح كالبودرة، وعندها أحفظه في أوعية محكمة الإغلاق في مكان جاف، ليكون بذلك جاهزاً للاستخدام، بينما «السمن العربي» الحاضر دوماً في الأكلات الإماراتية فلا غنى عنه، موضحة أن للسمن طريقة خاصة في إعداده، إلى جانب ذلك لدى عوشة خبرة في إعداد القهوة المنزلية التي تمتزج بالهيل لتعطي نكهة ومذاقاً مختلفاً. 

جلسات القهوة
تصدرت جلسات القهوة العربية المشهد في المهرجان باعتبارها من العادات العربية المهمة، كونها تتيح فرصة للتعارف وتبادل الأخبار بين أبناء الحي الواحد، وقد شكلت ملتقى كثير من رواد المهرجان الذين استمتعوا بتذوق القهوة العربية الأصيلة في أجواء تراثية، حيث يقول سيف الدهماني، الذي يمتلك خبرة إعداد القهوة منذ 13 عاماً ويشارك في الكثير من المهرجانات الوطنية والتراثية داخل الدولة وخارجها: إن لإعداد القهوة طقوساً خاصة، فهي يتم تناولها خلال الجلوس في الحظيرة، التي كانت غالباً تُنصب إلى جوار بيوت الشعر، ولها مذاق خاص، كونها تحمص وتحضر بشكل يدوي خلال جلوس الرجال وتبادلهم أحاديث السمر في الفترة التي تبدأ بعد غروب الشمس.
 يشير الدهماني إلى أن إعداد القهوة بتلك الطريقة التقليدية يتطلب عدداً من الأدوات، وهي «المحماس»، الذي يوضع فيه البن لتقليبه فوق النار حتى ينضج، فضلاً عن شبة النار، والتي تصنع من الحطب المتوافر في البيئة البرية، ويتابع: «بعد إنضاج البن بالدرجة المطلوبة، يتم تبريده ثم طحنه حتى يصبح بالشكل المعروف عن القهوة، ليتم وضعه في دلة بها ماء مغلي، وهي إحدى الدلال الثلاث التي تستخدم في طقوس صنع وتقديم القهوة للضيوف، والأولى تسمى «اللقمة» وتوضع باستمرار على النار، ويتم وضع القهوة فيها، والثانية تسمى «الخمرة» وبها ماء ساخن يغلي باستمرار على شبة النار، وأخيراً «المزلة» وهي الدلة التي تصب فيها القهوة بعد أن تطيب وتصبح صالحة للشرب تمهيداً لصبها في الفناجين وتقديمها للضيوف.

«نافورة الإمارات»
يتزاحم الجميع ليتمكنوا من تصوير وتوثيق أجمل اللحظات وأروع العروض البانورامية التي تميزت بها «نافورة الإمارات»، فالتناغم الذي يخطف الأبصار وانعكاس الأضواء المثيرة مع المياه وحيوية الأجواء تشكل لوحة فنية فريدة، فألقها وتصميمها وروعة عروضها الموسيقية الساحرة جعلت منها رمزاً جميلاً لكل زوار المهرجان، وخلال العرض يمكن مشاهدة شعاع الضوء المنبثق من النافورة نحو عنان السماء مع تدفق المياه التي تتراقص على الأنغام الموسيقية المصاحبة، لذلك تعتبر عروض النافورة من الفعاليات المهمة التي تخطف أنظار الزوار، الذين يوثقون بهواتفهم وعدساتهم صورا إبداعية لهذه النافورة التي تتألق كالعروس في المهرجان.

تحف تراثية
تراث الإمارات يزهو ويتألق في الحي التراثي الإماراتي، فالمشاركات من الأسر المنتجة يجتهدن في ترسيخ التراث بأناملهن عبر مشغولاتهن التراثية التي تمتع الزوار من الجنسيات المختلفة والجيل الجديد، وفي محل خديجة سالم الطنيجي تتم صياغة التراث من خلال أدوات الضيافة، حيث تضع لمساتها الجميلة عليها سواء من الخرز أو النقوش التراثية التي تزين أدوات الضيافة كالدلات والصواني وحافظات الطعام والمداخن، وهي تعمل على إنجازاها بكل حب ودقة. 
وتضيف الطنيجي، قائلة: «أمزج مشغولات الماضي بلمسات الحاضر، عبر تزيين أدوات الضيافة العربية، وتحويلها إلى تحف فنية مرصعة بالكريستال ومزينة بالأحجار واللؤلؤ، وعلى الرغم من أني لست الأولى في هذا المجال، إلا أني استطعت بلمساتي الخاصة، وعبر استدعائي موروث الضيافة العربية، أن أترك بصمة مميزة في هذا المجال».

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©