عدد اليوم
قد يكون الاسم غريباً على البعض، ولكن لمحبي بلاد المغرب وتراثها وغرائب مدنها وقراها، فإن شفشاون عروس تتوسد أحضان جبال الريف في أقصى شمال المغرب عند سفح جبل تسملال، تتباهى بلونها الأزرق وطبيعتها الجميلة، يسميها أهلها «الشاون» وأنا لا أعتبرها مدينة، بل هي لوحة تعشقها العيون وتداعب رائحتها الجميلة أنوف المحبين، الثقافة الشاونية خمسة قرون من الجمال المغربي والعبق الأندلسي المتداخل بتناسق وتناغم منقطع النظير، تعال معي في رحلة سريعة لكشف أسرارها.
اسم «أشاون» مستلهم من المعجم الأمازيغي، وتعني «القرون» وذلك لأنها محاطة بقمم الجبال التي تشبه قرون الماعز، إلا أن الاسم الأكثر تداولاً هو «شفشاون»، ومن ألقابها المدينة الزرقاء ومدينة السياحة والثقافة، كما يطلق عليها البعض «مدينة علي راشد» نسبة إلى مؤسسها أبو الحسن علي بن راشد العلمي.
كل شيء مكتسٍ باللون الأزرق هنا، حتى حاويات القمامة وأعمدة الإنارة، لا يعرف السبب وإن قيل بأن اليهود عندما نزحوا إليها قاموا باستخدام هذا اللون ليذكرهم بلون السماء ويقربهم إلى الله، وهي من القصص التي يرويها أهل المدينة ذات الشوارع والجنبات الملتوية التي بنيت عام 1471م، على يد الأمير علي بن راشد، ليأوي اليهود والمسلمين الذين نزحوا من الأندلس، في تجانس عقائدي فريد.
في شفشاون احرص على زيارة ساحة وطاء الحمام، التي سميت بذلك كونها تضم محلات ومخازن للحبوب، وكان الحمام يتخذها كمستقر له، وهي المكان المنبسط الوحيد في المدينة إذ إنّ باقي المدينة عبارة عن دروب صاعدة ونازلة، وفي هذه الدروب ستجد عدداً من التجار الذين يعرضون بضاعتهم التقليدية من المنتجات الصوفية والملابس والعباءات المغربية والديكورات التي تروي إبداع المغاربة في التصميم الذي لن تر مثيله في غير هذا المكان، كما تشتهر الشاون بحِرف مثل الدباغة والحدادة والخرازة، وهذا نتاج عمل المهاجرين الذين نزحوا من الأندلس.
كما يمكنك زيارة القصبة وساحتها التي تقع في الجزء الغربي، ولا تفوت وجبة القواقع التي تشتهر بها شفشاون، وهي طبق لذيذ بالأعشاب والزيتون وله نكهة تنفرد به المدينة، والغريب أن الشاون يزورها أكثر من 10 آلاف زائر من الصين سنوياً، وبعدهم سياح اليابان ويغض الطرف عن زيارتها سياحنا العرب.
وإذا كنت مغامراً فاحرص على زيارة شلالات أقشور Cascades d’Akchour- الشهيرة، صحيح أنها تقع على بعد 30 كلم عن المدينة، ولكنها وجهة شهيرة لمحبي رياضة المشي والمغامرات.
وقبل أن تخرج من شفشاون، احرص على أن تأخذك قدماك إلى أحيائها القديمة مثل حي السويقة والأندلس والعنصر وحي الصبانين، ثم اقض بعض الوقت عند منبع رأس الماء، واعرج بعدها على الجامع الكبير واختم زيارتك بالمسجد الإسباني الذي سترى منه أجمل المناظر التي تكشف لك المدينة بجمالها الأزرق، إنها شفشاون المدينة الزرقاء التي تبتسم دائماً لزوارها.
