الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: وهم الإنجاز

د. شريف عرفة يكتب: وهم الإنجاز
6 نوفمبر 2020 01:03

ما زلت أذكر هذا اليوم كما لو كان بالأمس..
كنت طالباً في الجامعة وقتها وقد بدأت الإجازة.. وحيداً في المنزل لسبب لا أذكره.. استيقظت وتناولت فطوري، وجلست أمام جهاز الكمبيوتر وفتحت لعبة الاستراتيجية «واركرافت» لتزجية بعض الوقت.. انهمكت في اللعب، وحين انتهيت أردت أن أرتاح قليلاً فنظرت للنافذة، فإذا بالمساء قد حل! ظللت ألعب لساعات طويلة دون الانتباه لانقضاء يوم كامل!
كان هذا هو اليوم الذي قررت فيه الانقطاع تماماً عن مثل هذه الألعاب التي تتطلب الاندماج فيها لساعات طويلة، لا دقائق معدودة.. عقلي يحتاج للشعور بالإنجاز والانتصار، وهي رغبة تتحقق بسهولة عند الانتصار في لعبة فيديو.. شلال الدوبامين يتدفق بين تلافيف المخ دافعاً لمزيد من التعلق بمصدر الانتصار الوهمي هذا..
 بداخلنا جميعاً رغبات.. احتياجات.. غرائز.. جزء من برمجة عقولنا أن نكون مدفوعين لعمل شيء ما.. بدءاً في الرغبة بتناول الإفطار وصولاً للرغبة في تحقيق الذات. نحن نرغب طوال الوقت.. في الراحة.. في المتعة.. في التسلية.. في اللذة.. في الاستمرار في قراءة المقال أو التوقف عن ذلك..
لماذا نرغب دائما في شيء ما؟
لأن هذه البرمجة العقلية كانت مناسبة لعقلية الإنسان البدائي التي تشكلت مع ظروف الحياة في العصر البلاستوسيني.. ذلك العصر عاش فيه الإنسان في حقول السافانا يلاحق الطرائد ويهرب من الضواري ساعياً لأمر ما طوال الوقت.. عاش البشر في هذه الظروف لنحو نصف مليون سنة، بينما اكتشفت الزراعة منذ عشرة آلاف سنة فقط.. لم تتطور آلياتنا الذهنية بعد لتناسب طفرة الحياة في القرى والمدن أصلاً! نلاحظ ذلك كل يوم في اضطرارنا لاتباع حمية غذائية والذهاب لصالة الألعاب الرياضية لتحاكي نمط الحياة القديم.. ننجذب للسكريات والأطعمة الدسمة لأنها كانت نادرة ومفيدة لرجل الكهف وتمده بالسعرات اللازمة للصيد والهرب من المخاطر.. بينما اليوم نضطر لحرمان أنفسنا منها ونحن جالسون على مكاتبنا أو منازلنا؛ لأنها رغبة لم تعد تلائم أجسادنا التاريخية هذه.. عقولنا أيضاً لديها احتياجات قديمة لم تعد تناسب سياق الحياة الحديث.. فالرغبة في التسلية - مثلاً - كانت دافعاً للقيام بأنشطة اجتماعية أو تتعلق باكتشاف البيئة المحيطة أو اكتساب الخبرات، بينما التسلية اليوم تحدث بأنشطة تسرق الإنسان من حياته.
انتصارنا في لعبة إلكترونية، ليس انتصاراً.. جمع نقرات الإعجاب من الغرباء ليس تواصلاً اجتماعياً..
التسلية ضرورية.. والرفاهية -كما أكرر دوما- ليست رفاهية.. لأنها تعيننا على تصفية أذهاننا لنواصل السعي لأهدافنا.. 
لا أن تكون التسلية هدفاً في حد ذاتها!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©