السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مدرسة العابد

مدرسة العابد
26 أكتوبر 2020 00:09

كنتُ أتهيأ للكتابة عن «الاتحاد» وعامها الحادي والخمسين، حين فاجأني نبأ رحيل والدنا وأستاذنا الكبير والقدير إبراهيم العابد، شعرت لحظتها بالعجز عن الكتابة، عن الاستمرار في نسج قصيدتي العاشقة لـ«الاتحاد» صحيفة وطنية استقبلت أول حروفي، ومنها تسلمت أول راتب شهري، وكنتُ ما زلتُ بعدُ في ربيعي الثامن عشر.
وجدتني أتداعى حزناً، بكاءً، وجعاً، فالخبر مفاجئ وصادم مثل كل الأخبار الموجعة التي تباغتنا بلا استئذان، تأتي على حين غفلة، وفي حالة فرح يَسعدُ الحزن بقطعها ليحل محلها دون رحمة أو هوادة، لحظتها مر أمامي شريط من الذكريات، والكلمات، والمشاورات، والمقترحات أحياناً، وفي أحايين أكثر، تتسلل منه كلمة تقول «يعتمد يا بنتي، توكلي على الله» في عملي ورسمياً تعاملتُ معه بشكل دائم، آخر تواصل كان في بداية الشهر الحالي، أرسلت له نصاً رسمياً يخص العمل للاعتماد، فاعتمد دون أن يغيّر حرفاً واحداً، وظل يتابعني حتى تم النشر بما يليق وحجم ومناسبة المادة.
العابد ذاك العاشق للإعلام، القابض على حروف اللغة التي يحب، المُتبتّل في صومعة «وام» ومنظومة الإعلام كاملة، المُتّصل بمحبيه سائلاً ومعلّماً ومربياً فاضلاً دون منّ أو تردد، أو رفض، العابد الذي يشكل غيابه واحدة من الخسارات التي لا تعوّض، وهي لا تعوّض لأن أستاذنا القدير كان يحمل خلال سنوات عمره التي قضاها حتى آخر لحظة حب العمل الجاد، المخلص للإعلام الإماراتي، وللإمارات.
كان غيوراً على الخبر الصحفي، وعلى الكلمة الرسمية، وعلى المتابعة اللاحقة، هو رجل الإعلام المحترف للمهنة، العاشق لها بحب عظيم، كان لا يتأخر في الإجابة عن اتصال حتى إنك للحظة تشعر أن هاتفه لا يرن بل إنهُ يستقبل المكالمات هكذا انسيابياً إلى سمعه مباشرة، هو أسرع مسؤول يرد على مكالمة تصله، حتى وإن كان منشغلاً باجتماع، ولطالما قال لي «في اجتماع يا بنتي أخلص وأكلمك»، رحمه الله.
إن مدرسة إبراهيم العابد تستحق أن تُفتح فصولها لأجيال من الإعلاميين أبناء الزمن الماضي، وأبناء الزمن المفتوح على كل شيء؛ لأن القيم لا تتجزأ ولا ترتبط بزمان دون آخر، بل هي منهج حياة، وكان الراحل يحمل من قيم ومبادئ وقناعاتٍ من ذاك النوع الفاخر الذي تطربُ لسماعه، ومعايشته مجسداً على الواقع، يكفي أن تتعلم الأجيال قيمة التواضع، والعطاء، وكرم العلم، واحترام الخبرات على تنوعها دون مفاضلة أو تمييز.
كنتُ سأكتب عن «الاتحاد»، وهيأ الله لي أن أكتبها في سيرة رجل أحب صحيفة «الاتحاد»، ووكالة أنباء الإمارات، وأخلص للإعلام بشكل مُطلق.

* شيخة محمد الجابري
Qasaed21@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©