الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«بس بالعيون»

«بس بالعيون»
5 أكتوبر 2020 01:10

أصبحنا نتعامل بالنظرات، ونتعرف إلى بعضنا بالعيون، كلما دخلنا إلى مكان، ووجدنا شخصاً نعرفه، نشيح بوجوهنا عنه، وكأننا نجهل من يكون، ليس هرباً من مواجهته وإنما خوفاً من أن نُخطئ التخمين فنقع في إشكالية الحرج معه، ولا يُنقذ من هذه الورطة إلاّ مصافحة العيون لبعضها مصافحة بريئة بالطبع، ولا تُشبهُ تلك التي غنّاها فنان العرب محمد عبده «سلّم عليّا بعينك إن كان عجزت يمينك» فصارت تعبّر عن أحوالنا اليوم حيث نعجز عن مد اليمين للسلام، وكأن القصيدة تستشرف المستقبل وتتوقع ما لا يُتوقع.
نحن في زمن «كورونا» ينطبق علينا ما جاء في أغنية أربع سنين للفنانة نوال «لا هو يعرف من أكون، ولا أعرف من يكون بس بالعيون»، نعم بالعيون ومن وراء كمامات تخرج كلماتنا مبهمة، غامضة، وغير مفهومة نكون كالطفل الذي للتو بدأ يحرّك الحروف فيأكل بعضها، ويمضغ الأخرى، فالكمامات لم تخنق أنفاسنا فقط، والحمد لله، بل إنها خنقت أصواتنا، وأحرجت مخارج حروفنا، وجعلتنا نشنّف الآذان المحبوسة بين خيطي الكمّام حتى نتمكن من سماع دبيب الكلمات التي يدحرجها صاحبها باتجاهنا بخاصة وسط الضجيج الذي ينمو فيه التشويش بكثرة في الأيام العادية، فكيف بهذه الأيام؟!
مساكين نحن في ظل هذه الأوضاع، حالنا لا يسرّ عدواً ولا حبيباً، ولا بعيداً أو قريباً، تساوت الشعوب كلها في استهلاك نظراتهم من أجل التعرف على بعضهم، ولأن في العيون أسراراً لا يعرفها إلاّ من أسرته بنظرة، أو ابتسامة، فإنها في وضع العالم اليوم ومع هذه الأزمة، و«سلّم عليّا بطرف عينه وحاجبه» غدت عاجزة عن استيعاب تقنيات النظرات العاشقة الولهى، تلك التي تغنى بها الشعراء وتغزلوا، وكتبوا أعذب الأشعار، ما عساهم سيقولون في زمننا هذا، ومن سيكتب قصيدة «عيونك والكورونا، بالشوق أتعبونا»؟
حتى ابتساماتنا خنقتها الكمامات، فمن يحادثك لا تعرف أهوَ مبتسم وسعيد أم أنه «مْبوزم ومبرطم» لمجرد أنه التقاك، كل شيء تغيّر، أصبح الوضع مؤلماً للكثيرين، كفوفنا جافة، وجوهنا نصفها الظاهر منها باهت، أحضاننا باردة، أصبحنا نتحاور لكن بالعيون، والمشكلة الكبرى في تلك التي تحبسها النظارات وتعلوها الغشاوة كلما فتحتَ فمك، فلا أنت قادرٌ على التحدث، ولا يمكنك في ذات الوقت رؤية من يقف أمامك بوضوح تام، لتقع في ورطة عدم التعرف على الآخر، وتروح تمسح نظارتك لتعود إلى ضبابيتها حتى ينتهي الموقف بسلام.

*شيخة محمد الجابري
Qasaed21@gmail.com

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©