الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الرواح».. إيقاع الطبول

«الرواح».. إيقاع الطبول
26 سبتمبر 2020 00:08

نوف الموسى

كيف يُولد الإيقاع، في أعالي رؤوس الجبال، ويبدأ الصوت بالتلاشي مع الصدى البعيد، وماذا يقدم هذا الفضاء المفتوح في الأفق للنفس البشرية، وهي ترسم تفاصيل اتصالها بألحان متفردة، تجسدها حنجرة خالصة، تعي قوة التناغم بين الصوت الصادر من الإنسان، وبين جل المحركات النغمية الكونية بوجودها اللا نهائي، حيث لا تزال الفنون الشعبية في دولة الإمارات تثبت حضورها في كونها اللمحة العفوية الأكثر عمقاً بين إيماءة الروح، والحركة الجسدية المستمرة في استعراض القوة والتعاضد والانسجام والتكاتف، فإذا أردت أن تستمع لما يبوح به جبلٌ متكئ بهيبته على الأرض، ما عليك سوى أن تضع يديك على جذع شجرة السدر، لتكتشف وبدهشة مرهفة أن هناك صوتا قويما، قادما من الأزل، يخترق الأحجار الصلدة، وكأنه يؤلف نوتة استثنائية، يصعب فهمها وإدراكها إلا بالتجربة والمعايشة، تلك التي يحتفي بها المؤدون لـفن «الرواح» الشعبي، عبر صناعتهم لطبولها من «السدرة»، باعتبارها أفضل الأنواع لإبداع الصوت، بعد ضربها بكف اليد.

يُعرف فن «الرواح» لدى قبائل كريمة من مثل قبيلة «الشحوح» وقبيلة «الشميلي» وقبيلة «الحبسي» وقبيلة «الظهوري» بإمارة رأس الخيمة في دولة الإمارات، وحتى الآن يعتبر فن «الرواح» من بين أكثر الفنون الشعبية نمواً واستقطاباً للشباب في المناسبات الاجتماعية والثقافية والوطنية، يصل فيه عدد الطبول إلى نحو 80 أحياناً، باعتبارها الآلة الموسيقية المركزية.  وجاء سؤالنا الجوهري حول أبعاد نجاح القائمين على الفن في دولة الإمارات في المحافظة على توسيع فضاءات حضور فن «الرواح»، والتأكيد على حالة «الطرب» تلك التي سردها الرواة المتخصصون لـ «الاتحاد الأسبوعي»، بتأكيدهم أنه فن تم الحفاظ على أصالته مع مرور الزمن، متسقاً مع ما هو متوارث من الآباء والأجداد دونما تغيير في الأساسيات المكونة له. يتحدث الرواة عن فن «الرواح»، بأريحية تامة وحماسة مطلقة، يشبه إحساس الانتماء للمكان والأرض، فهو لا يخبرك عن فن يؤديه فقط، بقدر ما ينقل لك ذاكرته ومشاعره وتشكلاته منذ أن كان صغيرا، حتى كبر مع الفن نفسه، فأنت طوال الوقت تستشف من الحوارات، وهو يتغنى بالكلمات المستخدمة في فن «الرواح» بين كل معلومة وأخرى، بأن السحر الفعلي للفن، أنه مرتبط بسريرة النفس وهدأة الروح وطول البال، فيها ينقر المؤدي على الطبل، طوال الـ 7 إلى 10 دقائق مستمرة في كل دور، دونما توقف، وعن تلك اللحظات يوضح راشد الشميلي، مدير جمعية شمل للفنون والتراث الشعبي والمسرح، أنه تتم تأدية «الرواح» من 5 طبول إلى 20 طبلا فأكثر، وتكون على شكل دائري يطلق عليه «الفر»، يردد فيه أحد «الطبيلة»، كلمات ذات نغم جميل، يبدأ بعدها بقية «الطبيلة» بترديد نفس الكلمات الخاصة. وأضاف راشد الشميلي أن هناك اختلافا في الكلمات المغناة، وهي تكون قصيرة، لا تتعدى الكلمة والكلمتين، مرتبطة بالأوقات التي تقدم فيها «الرواح» طوال اليوم، فالتي تردد في الصباح الباكر تسمى بـ «السيرح»، وتغنى فيه بـ «واهو سيرحي». وتذكر وقتها الشميلي أجواء الأعراس في أواخر السبعينيات والثمانينيات التي كانت تقام فوق رؤوس الجبال، والتي يكون فيها مبيت، يقوم فيها المؤدون لأداء الفن من الصباح، واصفاً الأجواء الصباحية قبل شروق الشمس، بأنها تعطي راحة للمؤدين ونفسهم تكون مفتوحة للبدء بأداء الفن، والمؤدى في فترة الضحى، يطلق عليه «الصودر»، وكلماته هي: «واهو صيدري»، أما فترة ما بعد الظهر فتسمى بـ «الرواح»، الذي يحمل اسمه الفن نفسه، ويردد فيه المؤدون: «واهو الرواح»، وصولاً إلى الجزء الأخير من أداء الفن خلال اليوم في فترة الليل ويطلق عليه بـ «السيري» ويتغنون فيه بـ «واهو سيرياي». «يؤتى باللحن بطريقة يرتاح لها من حوله».. تعبير راشد الشميلي، حول الشخص الذي يقدم اللحن في بداية أداء «فن الرواح»، مشيراً إلى الفطرة الطبيعية العفوية، في إدراك المؤدين للجملة اللحنية، خاصة أن من مكونات فن الرواح عموماً، أنه ليس فيه مسؤول مباشر داخل الشكل الدائري، وهو ما يؤدي في مرات عديدة إلى أن يتنافس بعض الشباب على الطبل الذي يصدر صوتا جيدا، فميزة «الرواح» أن الكل يستطيع أن يشارك فيه، وجماليته أنه يمتلك إدارة ذاتية داخل الأداء الفني، ورغم ذلك يوضح راشد الشميلي، أن المؤدين يكشفون عادةً الشخص الذي لا يقدم إيقاعاً صحيحاً، أثناء تأدية الفن. عندما يُقام عرس، تتم دعوة القبائل، وكل قبيلة تأتي وتحضر طبولها معها للمشاركة في أداء فن «الرواح»، مشكلين جانباً من التناغم الاجتماعي، تحدث حوله محمد عبدالله سيف الشحي، رئيس فرقة فن الرواح التابعة لجمعية الشحوح للثقافة والتراث بإمارة رأس الخيمة، موضحاً أن «الرواح» هو فن مرتبط بعمق مع صوت إيقاع الطبول منذ أزمنة قديمة، وبمثابة موروث عريق، ممتد من الذاكرة الاجتماعية والثقافية والإنسانية والتاريخية لقبائل عربية، سكنت رؤوس الجبال، وباعتبار أن «الطبل» هو المرتكز الذي يدور حوله الشكل الدائري لفن «الرواح»، أوضح محمد عبدالله سيف الشحي، أنه من المهم التميز بين ما يُعرف بـ «النقش» الذي يبدأ فيه المؤدي بتقديم ضربة إيقاعية بكف يده، ليتبعه مؤد ثان بضربة إيقاعية تُعرف بـ «المخالف»، وهكذا يستمرون بين «النقش» و«المخالف»، وذلك من خلال وقوف الرجال، صفاً واحداً. واستمر توضيح محمد عبدالله سيف الشحي، حول الطبول بأنها تصنع من أشجار عدة منها: «السدرة». وهي الأفضل والأغلى، وأيضاً شجرة القرط. وفي السابق كانت القبائل تصنع وتركب الطبول بنفسها، ووجب التأكيد كما أشار محمد عبدالله سيف الشحي، إلى أنه لا يوجد اختلاف في فن «الرواح» على ما كان يؤدى في الماضي عنه في الحاضر، وأن الحفاظ عليه مسؤولية مشتركة، أوصى بها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو ما سعت له جمعية الشحوح للثقافة والتراث، ويمكن ملاحظته من خلال إقبال الشباب على فن «الرواح»، فالعدد في تزايد، وصفهم محمد عبدالله سيف الشحي بـ «فيهم طرب» أي يملكون ذائقة وحب ممارسة الفن.

لياقة عالية
يصل عدد الطبول المشاركة في الأعراس إلى 80 طبلا، ما يدل على المكانة المهمة التي يشغلها فن «الرواح» في قلوب أهالي الجبال في رأس الخيمة، بحسب مالك الحبسي، نائب رئيس جمعية الحبوس للفنون والتراث الشعبي، الذي تحدث عن أثر «فن الرواح» كونه جزءا من حياة الناس اليومية، مضيفاً أنه إذا درسنا طبيعة الممارسة الفنية نفسها، والتي تتطلب مجهودا بدنيا، للقرع على الطبول، بإيقاع مستمر، يمكن اعتبار فن الرواح، ممارسة لنشاط رياضي يساعد المؤدين في أن يكونوا بلياقة عالية، ما يؤثر بشكل إيجابي على صحتهم العامة.

أعالي الجبال
بالعودة إلى محور موقع إقامة فن «الرواح»، فقد كان يقام في الماضي، في أعالي الجبال، أما في الوقت الحاضر فيتم تقديمه في مواقع الاحتفالات الاجتماعية والمناسبات الوطنية والدوائر الحكومية والمؤسسات التعليمية، حول ذلك أوضح مالك الحبسي، أن الفضاء المفتوح الذي كان يتيحه الموقع فوق الجبال، مختلف بطبيعته، وخاصة صدى صوت الطبول، الذي يرجع بعد القرع عليها، إلى جانب أنه يطلق على من يؤدي فن الرواح، بأنهم «يلعبون»، سارداً مالك الحبسي مشاهدته لوالده علي حسن مالك الحبسي، وهو يؤدي فن الرواح، حيث كان يرافقه إلى الأعراس، ويراه وهو يصنع الطبول بنفسه، وهو بذلك عايش الاهتمام بالموروث الشعبي المتأصل في نفسه، عن قرب وحب كبيرين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©