الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الصراي».. شعلة الموروث

النقبي يحافظ على الصراي انطلاقاً من اهتمامه بالتراث (يوسف العدان)
25 سبتمبر 2020 00:21

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

استثمر الأجداد ما تجود به الطبيعة لتبديد الظلام، وإضاءة لياليهم، عبر أدوات بسيطة، كانت تشكل فارقاً كبيراً في حياتهم، ومن هذه الوسائل «الصراي».
فحين يعلن «الصراي» حضوره، يهرب الظلام، ويحل النور القادم منه لينير الدروب والبيوت والحواري، ولم يقتصر نوره على تبديد سواد الليل، بل يعد أيضاً مظهراً من مظاهر الاحتفال، حيث تم استعماله في الأعراس والمجالس وليالي الأفراح، وكان الأجداد والآباء يستعملونه للاسترشاد به في حارات المدن والقرى، إذا اضطروا للخروج، أو في بيوتهم لإنارة لياليهم، والتحلق حوله للسمر والسهر حول أجمل الأحاديث وأعذبها، أو القيام بأعمالهم المنزلية التي تمتد في عمق الليل. 

وهج الحياة
ومنذ زمن بعيد، انتهى توهج «الصراي» المنبعث من شعلته الخافتة، إلا أنه أضاء ليالي الأجداد، ولازالت قصصه تتغلغل في ذاكرتهم، يسترجعون معها صوراً وأسماء عديدة لأناس يحجزون في الذاكرة أماكن مميزة. 
وقال سعيد علي النقبي، من خورفكان - منطقة زبارة، أحد المهتمين بحفظ الموروث: إن الصراي، لم يكن نوره شديد التوهج، ولكن كان في ذلك الوقت أمراً مهماً، كما كان ينار لتبديد عتمة الليل، ومن خلاله يقضى العديد من الحاجات، وكنا ندرس على ضوء الصراي، ونتحلق حوله لينير جلسات الخراريف وسوالف زمان في المجالس، ولم تتجاوز إنارته في الليل أكثر من ساعتين، حيث كان من مميزات ذلك الزمن أن الجميع ينام مبكراً ويستيقظ أيضاً مبكراً، ولذلك فإن الصراي يعد كذلك أحد منظمي ساعات النوم، إلى جانب وظيفته المتمثلة في الإضاءة وإشاعة النور والبهجة. 

في الذاكرة
والصراي يجسد بانوراما اجتماعية، لها شواهد في ذكاء الأجداد وعلاقتها بالبيئة المحلية، وطبيعة استثمارها للمكونات الطبيعية، وأوجه استخدامها من جهة أخرى، كالعادات والتقاليد في آليات التحضير، وأوقاتها، والزمن المراد فيه إتمام الإضاءة، حيث قال النقبي: كانت لـ«الصراي» أهمية كبيرة عند الآباء والأجداد، فقد استخدم لتبديد الظلام في محيطه، تيسيراً للحركة والحياة والعمل، وإيناس البشر في وحشة الظلام المقلق والمخيف، في حين ارتبطت رائحته بذاكرة الأجداد، وأصبحت جزءاً من تاريخهم، وخصوصاً أنه كان تستخدم لاجتماعات أهل الفريج، حيث يبدأ في تجهيز وإعداد الصراي لاستقبال الليل قبل غروب الشمس، فتنبعث رائحة الغاز، العالقة في الذهن، لتمتزج بطقوس إعداد طعام العشاء ودخان المطابخ، موضحاً أن الصراي الذي يتكون من الزجاجة والتمرة والغاز والفتيلة، يحظى بعناية بالغة من تلميع الزجاجة، وتنظيفها، وأنه كان بمثابة الثريا حالياً في قيمته.
وعن طريقة استخدامه، قال: «نصب الغاز في الزجاجة، ونغمس الفتيلة من الجانبين، حتى تتشربه، ونثبت على رأس الزجاجة معجون التمر الذي يحمي الزجاجة والغاز، حتى لا يتدفق خارج الزجاجة، حيث يلعب معجون التمر دوراً أساسياً جداً في سلامة هذه الأداة، ونترك فتحة صغيرة، ندخل من خلالها الفتيلة التي نرفعها، كلما قلت شعلتها».

بانوراما اجتماعية
وأوضح النقبي: كان الصراييوضع في مكان آمن، عبارة عن تجويف مستطيل في الحائط داخل غرف البيوت القديمة، وكانت توجد خلفه قطع من الزجاج العاكس، متصلة بها، كي تنعكس الإضاءة وتنتشر في أرجاء واسعة من المكان، مشيراً إلى أن له عدة استخدامات، حيث تشغله المرأة، وترضع عليه طفلها الصغير، وينير طريق المخزن لجلب التمر، رفيق المجالس بعد صلاة العشاء، ويتفقد الناس عليه الغنم، ونظراً لأن الأمطار كانت قوية في ذلك الوقت، فإنهم كانوا يطفئونه لغاية ما يصلون إلى زريبة الغنم. كما كانت تدور حوله الحكايات، فقد رافق تلك الحياة السعيدة رغم بساطتها، حيث يسود التعاون التعاون والتراحم. وكان يوضع في مكان آمن، ويتم إطفاؤه لحماية أنفسنا من تدفق غازه واندلاع النار.

صون التراث
وأشار النقبي إلى أن اهتمامه بالصراي نابع من اهتمامه الدائم بالتراث، مبيناً أنه يتعاون مع زوجته في ذلك، حيث صنعا متحفاً في بيتهما في منطقة خورفكان بإمارة الشارقة، موضحاً أن أبناءه يشاركونه كذلك في الاهتمام بكل ما له علاقة بالتراث، وذلك خلال زياراتهم المتنوعة للمهرجانات التراثية، أو اقتناء المجموعات والأثريات القديمة من أماكن مختلفة، والاحتفاء بها في المتحف المنزلي، في نموذج للشراكة العائلية في الحفاظ على التراث.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©