الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

العمل الصيفي.. رافعة تطويرية لليافعين

عمل اليافع خلال الإجازة الصيفية يجعله يقدر تعب والديه من أجله (أرشيفية)
24 يوليو 2020 00:34

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

أثبتت تجارب في دول كثيرة نجاعة عمل اليافعين خلال الإجازة الصيفية، وفق منظومة متكاملة تسهم في تطوير ذواتهم، وتشغل أوقات فراغهم، وتمدهم بالخبرات والمهارات الحياتية اللازمة، كما أن عمل المراهق يساعد في إكسابه الثقة بالنفس والقدرة على حل المشكلات، وروح العمل الجماعي.

شهران من التدريب في مصحة طبية خلال الإجازة الصيفية، كانت كفيلة بتوجيه بسمة السلواني القاطنة بإسبانيا نحو مجال الدراسة الذي ستتخصص فيه، بعد أن كانت حائرة، حيث استقر اختيارها على دراسة الطب بعد أن عملت مضيفة استقبال فيها بنظام الساعات خلال الإجازة الصيفية، وبسمة اليوم أنهت دراستها الجامعية، وهي تستعد لافتتاح عيادتها الخاصة، مؤكدة أن العمل في فترة المراهقة يفتح أمام الطلبة فرصة تحديد مسارات المستقبل واختيار التخصصات التي تناسب ميولهم إلى جانب توفير خبرات واسعة وتراكم تجارب تكون سبباً في تألقهم مستقبلاً. 

قرار حكيم
وإيماناً بأهمية عمل المراهق خلال الإجازات أصدرت وزارة الموارد البشرية والتوطين في العام 2016 قراراً بتمكين الطلبة من التدريب والعمل في منشآت القطاع الخاص أو المنشآت القائمة والمعتمدة لأغراض التدريب، وفق تصاريح العمل الداخلية المعمول بها في الوزارة. واشترط القرار الحصول على الموافقة الكتابية ممن له الوصاية أو الولاية على الطلبة الأحداث من سن 12 إلى 18 عاماً، قبل تدريبهم وكذلك على الطلبة من سن 15 إلى 18 عاماً عند منحهم تصاريح العمل. ونص القرار الذي يشمل الطلبة المواطنين والمقيمين على معاملتهم معاملة الموظفين الذين يعملون في ظروف مماثلة، وذلك من حيث كل الاستحقاقات والمزايا، مؤمناً بأهمية الاستثمار في هذه الفئة، كما أنه يشكل المحور الرئيس للعديد من المبادرات والخطط الرامية إلى تمكين اليافع وجعله رافداً أساسياً لتنمية المجتمع، وينتظره دور كبير في المستقبل.
وفي هذا السياق، أكد مختصون ومسؤولون ومؤثرون أن عمل المراهقين من طلبة الثانوية العامة والجامعات يجعلهم قوة فاعلة في المجتمع وجسراً للعبور نحو مستقبل اقتصاد معرفي متكامل، من خلال تمكين هذه الفئة من العمل وتكوينهم لتعزيز دورهم المجتمعي، وإتاحة الفرصة لهم لتنمية قدراتهم. 
ويؤمن علي الشحي، صاحب شركة، بأهمية عمل الطلاب خلال فترة الإجازات، لافتاً إلى أن ذلك يسهم في بلورة شخصية الطالب، ويجعل منه إنساناً نافعاً لمجتمعه قادراً على تحمل المسؤولية. وأوضح أنه انتهج هذا الأسلوب مع أبنائه منذ كانوا صغاراً، حيث كان يحفزهم على العمل معه ومساعدته في إنجاح فعاليات كان ينظمها، مقابل مكافأة مادية، ما جعلهم يتميزون عن أقرانهم بطريقة التفكير، ومن حيث القدرة على حل المشاكل التي تواجههم، وامتلاكهم ثقة عالية في النفس، فضلاً عن توظيف قدراتهم الفكرية والإبداعية في تطوير مشروع والدهم، كما جعلهم العمل على دراية بإدارة مصروفاتهم المالية، وساعدهم في اختيار تخصصات تناسب ميولهم. وقال: «من المهم أن يكون عمل المراهق في قطاع يحبه أو يظهر فيه مواهب فردية، حتى يكون عاملاً مساعداً له على الالتحاق بوظيفة المستقبل، فالشركات والمصانع تفضل صاحب الخبرة».

طاقة المستقبل
وقالت عفاف غانم، مقيمة وخبيرة جودة تربوية معتمدة: إن توجيه الطاقات نحو الاتجاه السليم بعد انقضاء فترة الامتحانات يفتح المجال أمام الأبناء لوضع خطواتهم الأولى نحو النجاح، موضحة أن الأبناء في هذا العمر قادرون على العطاء. وأشارت إلى أن هناك صوراً عدة لاستثمار هذه الطاقات سواء بالعمل «عن بعد» من خلال المنزل أو عملياً بإتاحة الفرصة لهم للتطوع واكتساب مهارات جديدة، يستطيع من خلالها الطالب تحديد ميوله، ولاسيما أن هذه المرحلة تحتاج إلى حسم التخصص الذي ينوي دراسته، ما يساعد الطالب في اختبار قدراته، ليعرف التخصص الذي يناسب مهاراته، فيتم التغيير في الوقت المناسب.
وبدورها، شددت الدكتورة بنة بوزبون، خبيرة نفسية واجتماعية، على أهمية العمل خلال الإجازات، موضحة أن تجارب أثبتت فاعلية هذا الجانب ولاسيما أن هذا النظام تتبعه دول أوروبية وأميركية نظراً لقدرته على شغل أوقات الفراغ واستثمار طاقات الشباب الذين يعتبرون قوة المستقبل وطاقته، وقالت: «عمل المراهق ضمن شروط محددة، موضوع مهم للغاية، نحن نعلم أن أغلب أولياء الأمور يشتكون من الفراغ والملل الذي يعيش فيه أبناؤهم المراهقون، فهم يقومون بعملية استهلاك من دون أن يكون لهم دور رئيس في الأسرة، فالمستهلك قد لا يشعر بالتعب والإرهاق لصانع الخدمة، فالأم والأب يعملان لتوفير الخدمة للأبناء، ولكن الأبناء قد لا يقدرون هذا التعب».
وأضافت: «على الرغم من أن الدولة وفرت كل ما يحتاج إليه أبناؤها من برامج وأندية، ولكن يظل انخراط الشخص في سوق العمل مهماً جداً»، موضحة أنه من المهم أن يتم توفير فرص عمل لطلبة الثانوية العامة والجامعة في القطاع الخاص، بأجر ومكافأة لإكسابهم الخبرة، وتقدير شعور الموظف، وإحساسه بأهمية الحياة، وتقديم خدمة للمجتمع، والنقطة الأهم أن العمل يجعله يتعرف على مجال التخصص الذي يريده مستقبلاً، بحيث تكون اختياراته واقعية. وأشارت إلى أن العمل يساعد الطالب على الشعور بتعب الأهل من أجل توفير سبل العيش الكريم، كما أن العمل سيشغل وقت فراغ الطلاب الذي يعد من العواقب الوخيمة التي قد تؤثر على حياتهم ومستقبلهم المهني، إذا لم يتم استغلاله بالطريقة الصحيحة. 
وذكرت أن العمل التطوعي أو العمل بمكافأة يسمح لأبنائنا بالاختلاط بالناس واكتساب خبرات متنوعة، وهذه التجارب العملية أقيمت في بعض الدول وكانت لها نتائج إيجابية جداً، مثلاً في البحرين، في فترة الصيف في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، كانت تتاح للطلاب خلال الإجازات الصيفية فرصة لتعويض بعض الموظفين في الإدارات والمؤسسات، فكان يتم توظيفهم بمكافآت رمزية، ما كان له أثر إيجابي عليهم حتى أنه في كثير من الأحيان كان يتم تعيين الطالب في المكان الذي عمل فيه بعد استكمال دراسته.

تمكين الطلبة
وهكذا فإن تمكين الطلبة من التدريب والعمل في منشآت القطاع الخاص يؤتي ثماره في فصل الصيف، لأن الطالب يستفيد خبرة كبيرة في التخصص الذي يعمل فيه ويربط بين العلوم التي تعلمها في الجامعة أو المدرسة وسوق العمل، فضلاً عن أن عقلية الطالب تكون متميزة، حيث يتقن الأعمال التخصصية بسرعة، ويكون هم الطالب إنجاز أكبر جزء من العمل ليحصل على عائد مادي أكبر، وفي هذا الصدد، أكد حمد العوضي، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، أن سوق العمل في الدولة كان ينتظر قرار وزارة الموارد البشرية والتوطين لتمكين الطلبة من التدريب والعمل في منشآت القطاع الخاص، مشيراً إلى أن تدريبهم في مؤسسات القطاع الخاص في الصيف ظاهرة وجدت في السنوات الأخيرة كمبادرات فردية من جهات عمل وطلبة، وكان يغلب عليها البعد الاجتماعي، ولم يكن هناك إطار قانوني ينظمها ويضمن حقوق الطلبة. وقال العوضي إن ظاهرة عمل الطلبة في مؤسسات القطاع الخاص منتشرة بقوة في كل اقتصادات العالم المتقدم، حيث تتفق الجامعات مع مؤسسات القطاع الخاص على عمل الطلبة فيها مقابل أجر يكون غالباً وفق نظام الساعات، بحيث يوفر هذا النظام للطالب دخلاً جيداً يشكل مصروفاً شخصياً له فضلاً عن منحه خبرة في العمل الذي يؤديه، كما يوفر هذا النظام لمؤسسة العمل الخاص وفراً أكبر حيث يتقاضى الطالب جزءاً قليلاً مما يتقاضاه العامل المعين لديها براتب شهري.

حل جوهري
العمل خلال الإجازة الصيفية، وضمن شروط آمنة، يشغل وقت الفراغ، ويقدم حلاً جوهرياً لواحدة من أهم مشكلات المراهقين مع ذويهم، وهي وقت الفراغ، فبعد أن يرتبط المراهق بوظيفة، يصبح ملتزماً بمواعيدها، ما يقلل خطر ارتباطه بالصحبة السيئة وتضييع أوقاته في السهرات والألعاب الإلكترونية، كما أنه يصبح حريصاً على نقوده، ويقل تبذيره لها. إلى ذلك، أكدت عائشة علي الشحي التي كانت تعمل مع والدها منذ صغرها في تنظيم المهرجانات، أنها اكتسبت خبرة كبيرة، وأصبحت مدربة أطفال، حيث نفذت أكثر من 100 ورشة، وأسست فيما بعد فريق «أميرات التراث» المكون من 15 يافعة، تلقين تدريبات على البروتوكول التراثي «الافتتاحات والمهرجانات والمعارض والأوبريت التراثي»، وشاركن في 30 فعالية. وأوضحت عائشة أنها دربت الفتيات على الاستعراض وإعادة التدوير وصناعة الألعاب التراثية، لافتة إلى أن عملها خلال الإجازات جعلها أكثر نضجاً، ودفعها إلى التفكير في تطوير مشروعها وتوسيعه ليشمل جوانب إبداعية أخرى.

توجيه ورقابة
أكدت غنيمة تراب، اختصاصية اجتماعية، أهمية عمل المراهقين، وقالت: «تردنا كثير من الاستفسارات حول عمل المراهق، والسماح له بذلك ضمن شروط محددة، ولاسيما أن الطالب سيصبح إنساناً مسؤولاً في المجتمع ما يعلي قيمته نحو ذاته»، مضيفة: كثير من خبراء علم النفس والاجتماع يرون أن العمل خلال فترة الصيف يلبي للمراهقين الحاجات التي تتطلبها هذه الفترة العمرية، ويحقق لهم القدرة على اتخاذ القرارات، ويساعدهم على تحديد مسارهم المهني والوظيفي، وتشكيل علاقات إيجابية مع الآخرين وبناء قاعدة أساسية ينطلقون منها لتحقيق ذواتهم، وتنمية أفكارهم ومداركهم، لافتة إلى ضرورة أن يكون عملهم بتوجيه ورقابة الأهل، لتوعيتهم بما قد يتعرضون له من مواقف، وكيف يتصرفون حيال ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©