عدد اليوم
علاء المشهراوي (غزة)
في ركن صغير اتخذه أسفل منزله في حي التفاح شرق غزة، لا تتجاوز مساحته 5 أمتار، حمل سعدي بلبل أبو درويش قدوّمه القديم الذي ورثه عن أبيه وجده، وأخذ «ينجر» قطعة خشبية من شجر الليمون بكل همّة ونشاط، رغم أنه في العقد السابع من عمره.
وقال لـ «الاتحاد»: آلة القدّوم عمرها أكثر من قرن من الزمان، وترتبط بتراث مهنة النجارة الخشبية اليدوية وتحافظ عليه من الاندثار..
مؤكداً أنه رفض العمل في المهن الأخرى، التي ظهرت مع مرور الزمن ومع التطور التكنولوجي، لأنه في النهاية يريد الحفاظ على مهنة النجارة التي ورثها عن الآباء والأجداد، والتي تطوّرت مع مرور الزمن بتطور الأدوات الخاصة بها.
وامتهن أبو درويش عملاً يدوياً، وكأنه فنان ينقش أنواع الخشب، حسب أنواع الشجر، مستذكراً أنه امتهن النجارة اليدوية منذ نعومة أظفاره في خمسينيات القرن الماضي، حيث عمل في صنع أثاث المنزل من الطاولات والكراسي والخزائن والنوافذ والأبواب، و«مدقة الطعام» و«مهباش القهوة»، وغيرها من الأدوات المنزلية.
وأوضح أبو درويش أنه يعيش على ما يتحصّل عليه من مال قليل، مقابل عمله بالنجارة، من التجار والناس، الذين يشترون ما يحتاجون من أدوات ضرورية لأعمالهم وحاجيات منازلهم، وهو يشعر بالارتياح والمتعة الغامرة، لأنه يعتبرها مهنة وهواية في الوقت ذاته، والأهم من ذلك، أنها ممتدة من عمق التاريخ إلى حداثة العصر.
وحسب أبو درويش، الذي وضع صورتي والده وجده على جدار ركنه المتواضع، فإن مهنة النجّار مهنة احترافيّة إبداعية، تحتاج إلى القدرة على الابتكارِ والتصميم، فالنجّار يجب أن يكون موهوباً، كي يُتقن هذه المهنة التي تتطلّبُ قدراً كبيراً من القدرة والتصميم، خصوصاً أنّ النجّار يتولى صناعة الأثاث المنزلي والمشغولات الخشبية المختلفة، التي تتطلّب المظهر الجميل والراقي، مما يتطلب صنعها بإتقان ودراية والعمل بالشكل الصحيح، لجعل قطع الأثاث تنطق بالجمال والجاذبية، وتحويل جذوع الأشجار وأغصانها إلى قطع مميّزة بكل شغف ومتعة.
ورفض، في ختام حديثه، ما يتردد بأن النجارة الخشبية اليدوية تعيش في آخر أيامها في القطاع الاقتصادي، وأنها تمضي نحو الانقراض، مؤكداً أن المهنة نجحت في تحدي «الآلة الكهربائية»، لأن الأشجار مصدرها المتجدد، كمادة خام، وهي تعتبر مناجم متجددة لا تنضب، كسائر المعادن، ودورة تجددها مستمرة، متمنياً أن يحافظ الأبناء والأحفاد على استمرارية هذه المهنة الأصيلة.
