الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

عبدالله المسعود.. لؤلؤة أبوظبي

عبدالله المسعود.. لؤلؤة أبوظبي
20 يونيو 2020 00:07

ناصر الجابري (أبوظبي)

الإرث الذي حملته عائلة المسعود، كان حاضراً في تفاصيل حياة عبدالله المسعود المحيربي اليومية، والذي يعد أحد أعلام النهضة الاقتصادية في إمارة أبوظبي، حيث كان يسمع عن قصص أجداده الأوائل، ومن بينهم مسعود بن سالم المحيربي، الذي شق طريقه في تجارة اللؤلؤ قبل ما يزيد على 150 عاماً، حيث يشكل أحد الرموز التاريخية في المجال التجاري بسيرته وقصصه التي تعكس الكفاح والتحدي والمواظبة والإرادة الصلبة التي يمتلكها، وهي الصفات التي وجد خلالها عبدالله المسعود نفسه، فكان يرى في سيرة الأوائل من عائلته نهجاً يقتبس منه نور الحكمة والعمل المتواصل والإرادة التي لا تلين، وإن كانت أمام أصعب المواقف وأشدها. 

نشأ المسعود المولود في منتصف الأربعينيات في عائلة وطنية، ووجد بين ثناياها أفراد همّهم الأول هو تقديم الفائدة لمجتمع أبوظبي عبر تحفيز شتى أنواع التجارة للتمكن من مواجهة مختلف التحديات، والتي عايشها أبناء المنطقة في تلك الحقبة، حيث كانت التجارة تشكل يد العون ومن خلالها تستمر العائلات في رفد مجتمعها بالأموال والخير، حيث لم تكن التجارة مجرد عمل بل مصدراً للحياة. 
حمل في صغره تفاصيل كثيرة عن أهمية العمل والحفاظ على الإرث الزاخر للعائلة والتحلي بالشجاعة أمام التحديات المتقلبة لمهنة التجارة، فكان هو وإخوانه مرافقين دائمين لوالدهم الذي عمل في التجارة، يُلاحظ معهم التغيرات الاقتصادية التي بدأت في الظهور بعد اكتشاف النفط في إمارة أبوظبي، ويرى أن تفاصيل عالم اليوم بدأت بالتغير والتشكل وفقاً للثروات الطبيعية التي تحكم العالم، الأمر الذي دفعه للتعلم المستمر واستقاء خبرة التجارة من محيطه الخاص لتحقيق مستوى أكبر من المعرفة العامة بملامح الاقتصاد الجديد والصفات الواجب توفرها للتوائم مع مظاهر تجدد العالم وتغيره. 
العقلية الاقتصادية الفذة التي امتلكها عبدالله المسعود وإخوته، جعلتهم يطلقون مجموعة المسعود والتي أصبحت أول شركة تسجل في غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، وأصبح أخوه أحمد المسعود أول رئيس لـ«الغرفة»، حيث نشطت المجموعة في العديد من المجالات الاقتصادية، منها البناء والصناعة والآليات والضيافة والترفيه، حيث دخلت المجموعة في شراكة مثمرة مع شركة جون براون الهندسية البريطانية عام 1970 لتركيب أول مولد كهربائي للتوربينات الغازية في أبوظبي والشرق الأوسط، ثم مع شركة وير ويستغارث لإنشاء أول محطة لتحلية المياه في دولة الإمارات، فيما تولى عبدالله المسعود رئاسة المجموعة بعد ذلك ليكمل مسيرة من النجاحات الداعمة لمسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتجارية في دولة الإمارات، من خلال إنشاء وإدارة شبكة متنوعة ومتنامية من الشركات التي تمثل رافداً قوياً لتعزيز اقتصاد أبوظبي القوي والمستدام.

الفرص التجارية
خلال هذه الأعوام، كان عبدالله المسعود أحد رجال الاتحاد، والذين اقتربوا من الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حيث كان الحاضر الدائم في مجالس المؤسس، قريباً من قصة بداية الاتحاد، ومقدماً رؤاه حول الواقع الاقتصادي الحالي للدولة، ومدى إمكانية التوسع في الفرص المتاحة، الأمر الذي دفعه للسفر والتباحث في إمكانية جذب الفرص التجارية إلى أبوظبي خلال اجتماعاته المختلفة، انطلاقاً من قناعة راسخة لديه بأن دور رجل الأعمال لا يقتصر على جذب العوائد الربحية له، بل يشمل الدور الوطني الأشمل وهو في بحث تسخير الجهود والإمكانيات لبناء قطاع تجاري تنافسي ومستدام وقادر على أن يكون محركاً إيجابياً نحو مستقبل المنطقة. 
سنوات قلائل، حتى لاحظ العالم ممثلاً في دول أوروبا الدور المؤثر والمحوري لعبدالله المسعود، والذي كان يمثل رجل الأعمال الشاب المتعلم والمثقف والذي زادته رمال أبوظبي قوة وشدة ومعرفة في استغلال الفرص واستشراف مستقبل القطاعات، الأمر الذي جعله يحظى بمكانة رفيعة، حيث حصل عام 1978 على منصب القنصل الشرفي لمملكة الدنمارك، كما حظي بتكريم خاص من صاحبة الجلالة ملكة الدنمارك، تقديراً لدوره الرائد وإسهاماته التي قدمها والشخصية النبيلة والقيم الحميدة التي امتلكها.

تقدير عالمي
إن هذه القيم والصفات والتقدير العالمي، جعلته مستحقاً لعضوية المجلس الاستشاري الوطني بمرسوم أميري من المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لينضم بالتالي إلى المجلس والذي يعكس نهج الشورى في إمارة أبوظبي، وجاء تأسيسه بهدف مشاركة أهل البلاد وأعيانها ودعم القيادة الرشيدة في إدارة شؤون البلاد وتقرير سياستها، حيث كان المسعود منذ الفصل التشريعي الأول له في المجلس، عضواً فاعلاً في مناقشة مشروعات القوانين وتوجيه الأسئلة وطرح المقترحات والتوصيات للجهات المعنية، مؤمناً بأهمية المشاركة المجتمعية الفاعلة والمسؤولية الفردية في دعم الجهود الوطنية ورفد القطاعات بالتصورات التي بإمكانها أن ترسم فصول المستقبل المشرق للإمارة. 
إن هذا الدور الوطني البارز الذي لعبه عبدالله المسعود، لم يكن غريباً على ابن أسرة لطالما شكلت ركناً من أركان التجارة والاقتصاد، بل كان متوقعاً وهو الذي كان مع توالي السنين يحظى باحترام وتقدير المجتمع لوطنيته وإسهاماته في تقديم فرص العمل من خلال الشركات المنضوية ضمن مجموعة المسعود، وحرصه على تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية ودعمهم لتبوء أعلى المناصب القيادية، وحرصه على الشراكة المستمرة مع مختلف الجهات الحكومية، بما فيه المصلحة العامة أولاً قبل المصلحة الخاصة، فلا مصلحة أعم وأشمل وأغلى من الوطن في مفهوم المسعود. 

موقف وطني 
لعبد الله المسعود مواقف وطنية تجسدت، منها ما قام به في عام 1990، والذي كشف عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال فعاليات القمة الحكومية عام 2015، حيث قال سموه، خلال حديثه عن مساهمات أبناء الوطن ورجال الأعمال في المجهود الوطني عند اجتياح الكويت، حيث برزت الحاجة وقتها إلى توفير عدد من المركبات، «توجهنا إلى السوق وعندما علم عبدالله المسعود، وهو صاحب إحدى شركات السيارات، أبدى استعداده لتوفير العدد المطلوب، طالباً منحه هذه الفرصة في أداء الواجب وخدمة الوطن دون مقابل». 
إن هذا الموقف وغيره من المواقف التي تحمل معاني الوطنية، جعلت من عبدالله المسعود الرجل الأنسب ليكون رئيساً للمجلس الاستشاري الوطني عام 1994، حيث قاد المجلس بكفاءة واقتدار وأدار جلساته المختلفة، والتي ضمت المسؤولين في الدوائر والهيئات والمؤسسات المحلية بأبوظبي، مشيراً خلال إحدى كلماته إلى أن مسيرة الشورى في المجلس الاستشاري الوطني، واكبت مسيرة التنمية والتطوير في البلاد، وعايشت كافة مراحلها وأطوارها، ووجد المجلس في أداء دوره تعاوناً ملموساً من الأجهزة الرسمية المحلية والاتحادية، مما ساعده على أداء دوره وتسهيل مهامه. 

جائزة رئيس الدولة
شهد عام 2011، حصول عبدالله المسعود على جائزة رئيس الدولة التقديرية، والتي قدمت إلى عدد من الشخصيات في الدولة والذين شاركوا في مسيرة بناء اتحاد دولة الإمارات، وكانت لهم إنجازات وجهود واضحة في تعزيز كيانه، حيث أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال التكريم، أن «تكريم هذه الفئة من الرجال عنوان للوفاء والامتنان الذي تكنه دولة الإمارات لكل أبنائها المخلصين الذين انصهرت أعمالهم وساهمت في تشكيل الصورة الراهنة للبلاد التي نفخر بها بين الأمم». 

خليفة لنخيل التمر
كرمته جائزة خليفة لنخيل التمر في دورتها الثالثة لعام 2011، باعتباره أول من أدخل صنف «المجدول» إلى مزارعه، وأسس أكبر مزرعة نخيل عضوي لصنف «المجدول» فاق فيها عدد الأشجار 6000 شجرة مثمرة، حيث اهتم بدعم النخيل والمجال الزراعي عموماً، خلال مختلف الفترات الزمنية.

مصالح الوطن
خلال عام 1996، منحت حكومة ألمانيا الاتحادية المسعود لقباً خاصاً تعبيراً منها للدور الخاص الذي لعبه في تقوية العلاقات بين البلدين، كما تم تكليفه عام 2000 بقرار من صاحب السمو رئيس الدولة بتمثيل إمارة أبوظبي لجمعية الصداقة الإماراتية اليابانية، انطلاقاً من الإسهامات والدور البارز الذي لعبه المسعود في تعزيز مكانة الدولة الخارجية في المجالات الاقتصادية والتجارية، ولما يمتلكه من كفاءة ومهارة وقدرة في إعلاء مصالح وطنه فوق كل اعتبار، وللشخصية التي يحملها وبها معاني التسامح وقبول الآخر. 
وخلال الألفية، شهدت مسيرة المسعود، مواصلة في المنجزات، حيث حصل في عام 2008 على جائزة السفير السويسري، وذلك اعترافاً بالجهد الملموس في تنمية علاقات الصداقة بين الجمهورية السويسرية ودولة الإمارات، كما شهد العام ذاته وبموجب مرسوم صادر عن فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية تم منحه وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس، كما قرت الحكومة اليابانية منحه وسام الإمبراطور الياباني «الشمس المشرقة ذي الأشعة الذهبية» وذلك في عام 2010. 

جائزة أبوظبي
في عام 2014، تم اختيار عبدالله المسعود ضمن أحد الفائزين في جائزة أبوظبي؛ نظراً لجهوده الدائمة في مجال الأعمال الخيرية في دولة الإمارات، بالإضافة إلى الخدمات التي قدمها للحكومة في مجال الشؤون الخارجية، ودوره في تقديم المقترحات والتوصيات والاستشارات المؤثرة على مسارات العمل الحكومي من خلال منصبه رئيساً للمجلس الاستشاري الوطني، كما عمل على توثيق العلاقات مع عدد من الدول من خلال تقديم الدعم للمبادرات الثقافية والاجتماعية والتجارية في الخارج وفي دولة الإمارات.

مسيرة متواصلة
خلال شهر فبراير من عام 2019، انتقل عبدالله المسعود المحيربي إلى الرفيق الأعلى، بعد مسيرة متواصلة زاخرة بمواقف الخير والإنسانية والتواضع، بإسهاماته المختلفة والمتواصلة، والتي تتعلم منها الأجيال دروساً في القيادة والحكمة والوفاء والعطاء للوطن.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©