الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شريف عرفة يكتب: اصنع ماضيك

شريف عرفة يكتب: اصنع ماضيك
12 يونيو 2020 00:08

كثيراً ما يقول علماء النفس المتخصصون في النمو أن مرحلة الطفولة تشكل القالب النفسي الذي يستمر معنا حتى نكبر.. يرى إركسون -مثلاً- أن لكل مرحلة عمرية صراعها النفسي الذي إن لم ينتصر فيه المرء سيظل يصارعه طيلة حياته.. ووجد بولبي أن أطفال الملاجئ الذين حرموا من والديهم كانوا أقل شعوراً بالأمان تجاه إقامة علاقة مستقبلية.. إلا أن علماء نفس معاصرين وجدوا أن مشاكل الطفولة هذه، قد لا يكون لها ذلك التأثير الدائم الراسخ كما كنا نعتقد.. 
 يقول سليجمان - الرئيس الأسبق للجمعية الأميركية لعلم النفس، مؤسس علم النفس الإيجابي- إن البيانات الحديثة تكشف أن مرحلة الطفولة مؤثرة في تشكيلنا بالطبع، لكنها لن تحدد مصيرنا النفسي المحتوم الذي لا يمكننا الفكاك منه، ففي إمكاننا التعافي من الصدمات والتغلب عليها وتجاوزها، لأننا بشر دائمو التطور والتغير والتعلم.. إلا لو قررنا - لسبب ما- أننا لسنا كذلك!
فالتعلق بالماضي له شعبية طاغية لأنه يشكل شماعة جاهزة يمكن للمرء أن يعلق عليها كل إخفاقاته.. فيبرر إهماله في عمله بأن والديه لم يربياه على النظام مثلاً ويركن لهذا التفسير المريح الذي يعفيه من المسؤولية.. خصوصاً أن لكل منا - بلا استثناء - صدمات طفولة.. وأول مرة شعرت فيها بالفشل أو الألم أو الخذلان ستظل ذكرى محفورة في ذهنك ما حييت.. لكن المقياس هو: كيف قررت التعامل معها؟ 
حسب نظرية كارول دويك، بعض الناس يرون أنفسهم ثابتين تم تشكيلهم وانتهى الأمر.. بينما هناك أناس يرون أنفسهم دائمي التطور والنضج.. وهو ما يحدد الكثير في طريقة تعاطيهم مع صدمات الماضي.. هل أنت صنيعة آلام طفولتك أم ما زلت تصنع ذكريات تنافسها في التأثير؟
لو افترضنا أن شخصاً كان والده يعاقبه بقسوة.. سيترك هذا ندباً نفسية في أعماقه، لكن هل قرر تضميدها، أم خدشها باستمرار للإبقاء عليها ملتهبة؟ قد تجعله هذه الذكريات قاسياً مع أبنائه، أو حنوناً معهم كي يتجنب هذا النموذج السيئ.. قد يكره والده لأنه آذاه، أو يشعر بالشفقة تجاه محدودية تفكيره.. قد يقاطع والده، أو يظل يصله لأنها صفحة طواها ولا يشغل باله بالحدث نفسه، لكن لا توجد نتيجة حتمية لأن طريقة التعاطي تختلف من إنسان لآخر.. 
لاحظ أيضاً أن ذكرياتك لم تحدث بالضبط كما تتخيلها، بل هي مجرد لقطات صنعها عقلك كي تناسب السردية -الحكاية- التي قررت أنها تلخص حياتك.. لو أردت رؤية نفسك كضحية فإنك تعطي عقلك أمراً أن ينتقي من الماضي ما يؤكد هذا الطرح.. لو كنت سعيداً مستقراً وقررت أن تتذكر ماضيك ستراه من هذا المنظور، ويعيد عقلك انتقاء ما يؤكد السردية الجديدة.. إعادة صياغة المعنى أمر نقوم به جميعاً بالفضفضة أو كتابة الخواطر أو ممارسة الفن والثقافة أو مع معالج نفسي إذا تطلب الأمر.. 
الماضي وهم والمستقبل خيال، كما تقول الحكمة.. 
والحقيقة هي أنك أنت من تشكل ماضيك 
.. وليس العكس!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©