السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

خالد الشيخ.. قارئ الموسيقى

خالد الشيخ.. قارئ الموسيقى
6 يونيو 2020 00:10

نوف الموسى

يَقرأ الحبّ في موسيقاه، ويتكشف اللحنُ نحوه رويداً رويداً، فكل طرق العشق مهما اختلفت أشكالها تأتيك مجهولة غامضة، وفي كثير من الأحيان ساكنة جداً، لدرجة أنها تتطلب مجازفة حاسمة للوصول إليها، وهو فعلٌ نادرٌ، ويكاد يكون خلقاً جديداً، لذا فهو يعي تلك الإمكانية الخطيرة، في أن يفضي من داخله شساعة لا نهائية، تحضيراً منه لمهمة هدم النصوص الشعرية، وإعادة بناءها موسيقياً، وهو بذلك يدفع بالقصيدة أن تتخلى عن تفردها لا لشيء، سوى لتزداد تفرداً باتصالها مجدداً بما هو أسمى، بمصدرها ومنبع غايتها، وهو الفضاء الذي يشكلنا ضمن هالاته وحقل طاقة الحياة المستمرة.
الفنان والملحن البحريني، خالد الشيخ، يُعيد قراءة الحبّ دون وصف واضح، لما يحدث في الأثناء عندما تجرب الأغنية أن تكون جسداً يولد ليحتفي بالمعنى للحظة شعورية أخاذة تفتح بعدها احتمالات لحيوات مستمرة، قادرة على أن تنير الطريق لعبور الأرواح نحو عوالم المتعة، فالموسيقى ليست قادرة فقط على إنقاذ العالم، بل على المساعدة في استيقاظه مرة أخرى، والبدء بالتناغم الساحر بتجاه التطور الكوني البديع.

«المعاندة»، و«الجرأة»، و«التمرد»، معاني انطلق عبرها الفنان خالد الشيخ حول مسألة اختياره للفن، كونه تربى في عائلة متدينة، إلا أنه يجعلنا ندرك كيف فتح على نفسه بهذا القرار، احتمالاً مغايراً لما رغبت به روحه، موضحاً أهمية الانصات لأصواتنا الداخلية، التي تعرف تماماً ما تريده خُطانا، الشبيهة بخطى الحبيب الهانئة في أغنية «قهوتي» للفنان خالد الشيخ يقول فيها: «قهوتي باردة، ويدي باردة، وحبيبي خطوة في المطر، وخطى في انتظار تضيء، مر الهواء على يدي، وعلى خطاه، ضحكت يدي، ورأيته فمتى أراه، يا ليتني كنت الطريق، وليتني كنت خطاه».

الإنسان والفنان
ومنه أيضاً، يمكننا التساؤل: هل التحولات الضمنية في تكوين خالد الإنسان والفنان، سواء على مستوى الأسرة، أو المستوى المجتمعي والمعرفي، من مثل انتقاله من دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في الكويت، إلى القاهرة للدراسة في المعهد العالي للموسيقى، أو توقفه وابتعاده عن المشهد الفني وإحياء الحفلات الموسيقية خلال السنوات الماضية، منحته القدرة على «القبول»، ونقصد بها تفضيله الدائم لتقديم ما أسماه بـ «الوصف» لحالات معينة في البيئة الموسيقية، غير مستخدماً لفعل «النقد»، وكأنه يوحي للمتلقي بأن جميعها تجارب، تستلزم وجودها لإتمام عملية النضج والنمو والتراكم، إلى جانب أن كل الأشكال الفنية بمختلف مكوناتها، تقدم خيارات مختلفة لمستويات متعددة في طبيعة مكون الذائقة الموسيقية، غير المرتبط بجيل معين، كما يعتقد البعض.

البيئة الموسيقية
وصف الفنان خالد الشيخ البيئة الموسيقية الحالية، في لقاء قدمه المرصد الثقافي التابع لـ «بيت الزبير» لإثراء المحتوى الثقافي الفني العربي، أن هناك حناجر للإيجار، فالقيادة والسيادة أصبحت للشركة الخاصة المنتجة، وهو لا يعممها بقدر ما يضعها أمام التحليل والتفسير، مقدماً شرحاً مختزلاً كيف كانت القيادة للأغنية تدار من قبل المطرب، وبالطبع مارس النص الشعري حق القيادة لفترة طويلة، وفرض نفسه على الفنان والموسيقى عموماً، بينما شكلت مرحلة قيادة التأليف الموسيقي والتلحين، تحولاً نوعياً عندما تحرر من كل ما سبق، وبدأ يشرع الملحن بتفكيك النص الشعري وإعادة تشكيله وفق موجات موسيقية متدفقة وحره.
بالنسبة لي أكثر ما استوقفني في أحاديث الفنان خالد الشيخ هو سعيه الدائم للتخلص من الملحن، الذي كان يراه أنه أسير النص، ولا يمكن ذلك بحسب تعبيره إلا من خلال دراسة دور الملحن، عبر النصوص الغنائية التي أنتجها في مراحل مختلفة من التاريخ، واللافت هنا ما أضافه الفنان خالد الشيخ في كيفية رؤيتنا للحالات اللحنية كونها شخوصا، تتماهى معها من خلال النص الشعري في لحظات، ومن ثم تحاول الخروج منها في لحظات أخرى.

«حبّك أنت غيمه سمره، مره تحكي من حزنها، ومره تبكي في الضلوع، البحر غير السفينة، والبراري مو مدينة، والقمر غير الشموع، لا يهمّك من يبيعك، اللي ما يفهم ربيعك، عمره ما ستاهل دموع، ضيّعوني ضيّعوني وضيّعوك».
في أغلب لقاءات الفنان خالد الشيخ، يقرأ أغانيه كشاعر، ويحرك يديه في الهواء كعازف، ما يعود بنا إلى أهمية اكتشاف المحيط والروافد التي يستقي منها الفنان خالد الشيخ جمالية عمقه، وهو الذي ينادي بالانفتاح الذي يؤهلنا للاستقبال في مراحل معينة، وإعادة الإرسال في مراحل قادمة وبطريقتنا، ومن بين تلك التجليات لمكنونات محيطه، هي العلاقة النوعية التي تجمعه بالشاعر البحريني القدير قاسم حداد، من رأى أن الفنان خالد الشيخ يبحث ويقرأ ما يشكل له بعداً روحياً، ففي إحدى حواراته الصحافية الموثقة عبر موقع الشاعر قاسم حداد الإلكتروني، عن تجربة «وجوه»، وهو مشروع مشترك بينهما بالتعاون مع الفنان التشكيلي إبراهيم بوسعد، يقول حداد: «كان ينتخب جملة من هنا وجملة من هناك، ويضيف لهما كلمة من مكان آخر، كما لو أنه يضع ألواني على لوحته الجديدة، لكي أكتشف أنه ليس فقط يحسن القراءة، بل أنه يكتب الشعر بشكل غير مألوف. ويجب أن نلاحظ أن في مثل هذه الممارسة البعد الذي يتصل بطبيعة الشاعر الجديدة».
نقطة الالتقاء
في تجربة «وجوه» قُرئت القصائد بصوت الشاعر أدونيس، ومن بينها كتب قاسم حداد: «لك النهر وشكله، الريح وقميصها الأخير، أخرج من النوم، واخرج عليه، تصادف طرقاً مسقوفة بالرعب، فاحرسها بزعفران المرايا».
واللافت نقطة الالتقاء بين الفنان خالد الشيخ والشاعر قاسم حداد، في مسألة التأليف في كونه أكثر حرية، وهو بالتأكيد ما جعل لدى الفنان خالد الشيخ هاجس التحرر من التلحين، وهو ما يؤكد السبب الرئيسي في تحويل الفنان خالد الشيخ عملية التلحين إلى ساحة حرب، يتحول فيها النص الشعري إلى خصم، يتم تفتيته، ويستشعر فيه الفنان خالد الشيخ حريته من خلال بناء النص من جديد، من جهته اعتبر الشاعر قاسم حداد في نفس الحوار الصحفي السابق: «أن الموسيقي الذي يقدر على هدم جاهزية النص (الإيقاعية)، وابتكار الهارموني الذاتي لحساسيته، هو الذي يكون صادراً عن موهبة خارقة، مسلحة بالمخيلة المبدعة، فلا يكون عبداً للنص ولكنه السيد الذي يعيد بناء النص، ليس بوصفه كلاماً، ولكن باعتباره طاقة من المشاعر والأحاسيس المعاد إنتاجها في ضوء حساسية إنسانية وفنية مغايرة (جوهرياً) لحساسية الكاتب. وهذا السياق هو الذي يمسّ مباشرة طبيعة بنية الذائقة السائدة والمكرّسة في الثقافة العربية في حقلها الشعري الخالص».

العودة
عاد الفنان خالد الشيخ مؤخراً، في عام 2019، عبر حفلتين أقامهما في مملكة البحرين، وحفلتين أحياهما في دولة الكويت، معبراً عن سعادته بقرار الابتعاد، وأنه غير نابع عن إحباط، بل على العكس هو مستمر مع الموسيقى من خلال عدة مشاريع، بمشاركة الأصدقاء في مجال الفن والموسيقى.
وصرح أثناء إقامة الحفل الموسيقي في الكويت، عبر حوار صحفي حول الابتعاد عن المشهد الفني بقوله: «أنا مضطر أن أفعل ذلك، بسبب الصراع مع الشكل الموسيقي الذي أقدمه، لأنني كنت حبيس منطقة متوقعة عند الجمهور أحتاج إلى مغادرتها لمناطق أخرى، ودائماً ما كان يقول لي الشاعر قاسم حداد: أنت تفتح نافذة واحدة فقط على المشهد الموسيقي، هناك نوافذ أخرى تستطيع أن تشاهد منها أنماطاً أخرى من الموسيقى».

رسالة وهدف
امتداداً لمفهوم الانفتاح بمعناه الأعم والأشمل، يرى الفنان خالد الشيخ أن الفن هو بطبيعته الاختلاف، ولا توجد هناك رسالة للفن أو هدف، بل هو يحمل طبيعة ذات رؤية وطريقة للتفاهم مع العالم، واصفاً إياه بالخيار الذي يضعه منتج الحالة الفنية أمام الجمهور، قد يقبل به أو يقبل بخيار مختلف، حسب تجربته ومرحلته التاريخية، لذلك يترك الفنان خياره المقدم للمستقبل، وإمكانية أن يشعر المتلقي بجمال تلك اللحظة، أثناء استقباله لها.
ولك أن تتصور عزيزي القارئ كيف لكل منا إمكانيته في التفاعل مع كلمات وألحان وأداء خالد الشيخ من مثل أغنية: «كلما كنت بقربي، تنطفي نيران قلبي، زادني الوصل لهيبا، هكذا حال المحبّ، لا بوصلي أتسلى، لا ولا بالهجر أنسى، ليس للعشق دواء، فاحتسب عقلاً ونفساً، إنني أسلمت أمري، في الهوى معنى وحسّاً»، وقد نقف أحياناً عند مقطع واحد في إحدى أغانية مثل أغنية «المحبة طيور»: «من خلا الهوى هاللون يغير ملامحنا، ويفجر عواطفنا ويعطينا صفات الكون»، خاصة أن أغاني الفنان خالد الشيخ تعيش فيها الموسيقى حوارها الخاص، فهي ليست تابعة لنص، بقدر ما للموسيقى شخصيتها المتفردة فيها، فهي تلعب أدوارها بانسجام تام، وتدخل مع الكلمات بحوار متواصل متبادل، دونما طغيان طرف على الآخر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©