الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

كائنات تتعلم وتفكر

كائنات تتعلم وتفكر
30 مايو 2020 00:05

كاثرين نوربيري*

في مؤتمر «شبكات جديدة من أجل الطبيعة»، الذي عقد في المملكة المتحدة عام 2017، كان المصور السينمائي الإسكتلندي الشهير «دوج آلان» يصف مجموعة من الحيتان البيضاء في لانكستر ساوند في القطب الشمالي الكندي، وهي تسبح تحته بينما كان يسبح تحت سطح الماء. وبعد أن أدارت هذه الحيتان أجسادها حتى تتمكن من رؤيته ،،حيث كانت أعينها في الجزء السفلي من رؤوسها،، واجه أحد هذه الحيتان آلان «وقام بمسحه» من الرأس إلى الزعنفة التي يرتديها.

ووصف كيف بدت بطيخة الحوت (البطيخة في علم الأحياء هي عضو ضخم بيضاوي الشكل يقع عند جباه الحيتان المسننة) – وهي كتلة الأنسجة الدهنية في مقدمة رأسه المستخدمة في تحديد الموقع بالصدى والتواصل –«وهي تتجعد من الغضب، تماماً بنفس الطريقة التي تتجعد بها جبهتك أو جبهتي من الحنق» عند مواجهة أمر لافت للنظر. ثم اشتكى «آلان» من أنه لا أحد حتى الآن تمكن من فهم لغة الحيتان.
يبدأ «كارل سافينا» كتابه «أن تصبح برياً» تأمله المستنير في تعقيد الثقافة الحيوانية المعاصرة، وهي في صحبة شخص يحاول القيام بذلك: «شين جيرو» عالِم في مجال الحيوان كرّس حياته المهنية لمراقبة وتحليل سلوك حيتان العنبر. يقوم «سافينا» بزيارات مع عدد من علماء الطبيعة الذين يدرسون ثلاثة أنواع: حوت العنبر والببغاء القرمزي، والشمبانزي. ويقوم بإسقاط سماعات مائية في هذه الأحواض، التي تبدو متفاوتة لمعرفة المعلومات التي يمكن أن يستخلصها. وفي القيام بذلك، يوضح «سافينا» كيف تُظهر هذه الأنواع المختلفة سلوكيات ارتبط بها البشر تاريخياً بشكل حصري.
نحن البشر نعظّم ثقافتنا، لكننا لا نولي اهتماماً يذكر لوجود ثقافة بين الحيتان والأنواع الأخرى. كتب «توماس بيل»، وهو جراح أبحر على متن سفينة لصيد الحيتان، في كتابه الذي صدر عام 1839 بعنوان «التاريخ الطبيعي لحوت العنبر»: إنه أمر مثير للدهشة أن التفكير في عادات حيوان مثير للاهتمام للغاية ومهم، من وجهة نظر تجارية، أهمِلَت تماماً، أو لم تثر إلا قدراً ضئيلاً من الفضول». كان«بيل» مفتوناً بسلوك الحيوانات. وكتب:«كل حيتان العنبر، الكبير منها والصغير، لديها طريقة ما للتواصل عن طريق إرسال الإشارات لبعضها البعض، وبهذه الطريقة يمكنها أن تكون على علم باقتراب الخطر. ولا تزال الطريقة التي يتم ذلك من خلالها سراً مثيراً للفضول».
لمئات السنين، كان تعلم أفضل طريقة لقتل الحيتان هو أقصى اهتمامنا بثقافتها. وينقل «سافينا» عن الباحث الرائد في عالم الحيتان «روجر باين» تفسيراً للقتل المستمر لهذه المخلوقات الرائعة: «يبدو الأمر وكأن كائنات غريبة ذكية وصلت من الفضاء الخارجي ولأننا لم نتمكن من فهم لغتها، قمنا بطهوها وأكلها». ويوضح «سافينا» أن الأنواع الثلاثة التي تمت دراستها في كتاب «أن تصبح بريا» –وكلها لها متوسط عمر يختلف عن متوسط أعمارنا –تتعلم كيف تعيش حياتها من خلال التعلم لفترة طويلة من كبارها، تماماً كما يفعل الإنسان. على سبيل المثال، يتم تعليم الببغاء أين يوجد الطعام اللذيذ والغني بالعناصر الغذائية. وتتعلم قرود الشمبانزي أين أشجار الفاكهة التي تنضج وبأي ترتيب، وهي حتى تفكر في التغييرات في الطقس عند إجراء حساباتها. من خلال تدمير قاع البحر أثناء بحثنا المستمر عن الوقود الأحفوري، وملء أعماق البحار بالضوضاء الناتجة عن المتفجرات وعمليات الحفر الميكانيكي، فإننا نتدخل في تحديد الموقع الدقيق بالصدى لهذه الأنواع من الحيوانات البحرية ومن ثم نتدخل في قدرتها على تعديل وجهتها والتغذية والتواصل. وفي القضاء على موائل ببغاء الأمازون القرمزي والشمبانزي الأوغندي، ندمر المعرفة العميقة بالمناظر الطبيعية الشاسعة والمعقدة التي تتوارث عبر الأجيال. وتفتقر فراخ الببغاء اليتيمة والتي تم تدريبها يدوياً وإطلاقها في الغابة إلى المعرفة الثقافية ولهجات أبناء عمومتها التي تربت في أعشاشها. وبعبارة أخرى، لم يولد أبناء العم هؤلاء الذين ترعرعوا في أعشاشهم بريين، في استعارة لعنوان مذكرات الناشط البيئي «توني فيتزجون»: «وُلد برياً: القصة المثيرة لولع رجل بالأسود وإفريقيا»، لكنهم أصبحوا بريين.
يطالب كتاب «أن تكون بريا» بأن نستيقظ وندرك أننا مرتبطون ارتباطاً جوهرياً بجيراننا من غير البشر. نحن لسنا وحدنا في حب عائلاتنا. أن يكون لدينا حس جمالي، بصري وموسيقي، يمكن مشاركته وكذلك يمكن رؤيته من قبل العديد من الأنواع الأخرى، في حين أن البشر المعرضين للحرب ليسوا هم الوحيدون الذين يعيشون في سلام مع بعضهم البعض. يساعدنا «سافينا» على رؤية التأثير العميق الناجم عن تدمير الأنواع الأخرى وموائلها، وعدم القدرة على العيش في سلام مع بعضنا البعض، وتشويه صورة علماء البيئة الذين يكافحون للحفاظ على التوازن الدقيق لكوكب الأرض».
..............................
*مؤلفة كتاب «ذا فيش لادر» وهي تعيش في لندن
*ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

كتاب: أن تصبح برياً: كيف تربي الثقافات الحيوانية عائلات وتخلق الجمال وتحقق السلام
المؤلف: كارل سافينا

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©