الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

نعيمة سميح.. جوهرة الطرب المغربي

نعيمة سميح.. جوهرة الطرب المغربي
23 مايو 2020 00:15

الكبيرة التونسي (أبوظبي)

أطربت وأفرحت، وأضحكت وأبكت.. جوهرة مكنونة في الموسيقى العربية، ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، حملت معجبيها بشذو من الطرب المغربي المفعم بأريج العتاقة، التي منحت فن الموسيقى والغناء المغربيين مكاناً رفيعاً بين مدارس الطرب العربية، إنها المطربة المغربية نعيمة سميح، التي قدمت بنبراتها الصوتية المتفردة التي يصعب مضاهاتها، روائع غنائية خالدة، أثرت الأغنية المغربية وخزانتها، بروائع منها مثل «ياك أجرحي»، و«على غفلة وما قريت حسابو»، و«غاب عليا الهلال»، و«شكون يعمر هاد الدار»، و«البحارة»، و«أمري لله»، كما تغنت بحب الوطن من خلال رائعة «رحلة النصر»، التي أدتها إلى جانب الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، ومن بين أشهر أغانيها الخليجية وأنجحها أغنية: «واقف على بابك حبيبي».

بدأت نعيمة سميح مشواراً فنياً شاقاً وصعباً في عمر 16 سنة، تعاملت مع كبار الشعراء والملحنين، فغنَّت خالدات، مثل: «راح»، و«البحارة»، و«نوارة» و«شفت الخاتم وعجبني»، وغيرها من الروائع التي أثرت المكتبة الفنية المغربية، وتمسكت بالغناء باللهجة المغربية، لكنها أرضت جمهورها في الخليج بأغنية «جيتك لبابك حبيبي»، وتبقى المطربة نعيمة، التي يتجاوز عمرها الفني ما يقارب 5 عقود، اسماً راسخاً في الفن المغربي الأصيل.
ورغم شهرتها ومكانتها وكل ما بلغته من مجد، ظلّت نعيمة سميح وفية لأصولها وابنة الشعب البسيطة، وهو ما زاد حب الجمهور والمغاربة لها، فكل من عرف نعيمة، لمس عن قرب روحها الطيبة وتواضعها وبساطتها، توارت نعيمة سميح عن الأضواء منذ سنوات، لكنها ظلت تسكن قلوب عشاقها.
تتميز نعيمة ببحة تلون مخرج الحرف بشكل طوعي وطبيعي، تتدثر في البحة الفطرية التي هي مزيج من عمق تراب الجنوب المغربي الأمازيغي، مما يجعل تقليدها محفوفة بمخاطرة عدم التوفيق، بمعنى أن من يقدم على تجربة أداء أغاني الفنانة نعيمة سميح مطلوب أن يمتلك هذه البحة الفطرية، التي عند الأداء تكون شرط نجاح غير مفكر فيه، مما يجعلها تجربة متفردة في الوطن العربي، كما تتمتع نعيمة سميح بطاقة أدائية أظهرت شغفها بالموسيقى والغناء في سن مبكرة، فالمطربة القديرة نعيمة سميح «عميدة الأغنية المغربية»، تتمتع بصوت قوي وعريض، وأداء متمكن، وصاحبة أغان وصل صداها إلى المشرق العربي، حتى لقبت بـ «كوكب المغرب العربي»، ومثلت نعيمة بإصرارها على الغناء في فترة كان يصعب على المرأة أن تلج مجال الفن، نموذجاً للإصرار والتحدي، كانت امرأة متطلعة لاقتحام مجالاً كان حكراً على الرجال، لا سيما أنها منحدرة من مجتمع محافظ.

مواهب
نعيمة سميح طرقت باب الغناء وتجرأت عليه دون أي خلفية أكاديمية في المجال الفني، حيث غادرت الكراسي الدراسية في سن مبكرة، عشقت وأحبت تجويد القرآن الكريم وسكنها حب الغناء والطرب الأصيل، دخلت المجال الفني مصادفة بفطرة وعزيمة وإصرار، في فترة كان من الصعب على المرأة أن تطرق باب الغناء، لكن نعيمة فعلت متحدية تقاليد المجتمع المحافظ الذي تربت فيه، وكان ذلك في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات عبر برنامج تقدمه التلفزة المغربية اسمه «مواهب»، يعده ويقدمه الملحن عبدالنبي الجيراري، وهو يرجع له الفضل في اكتشاف الكثير من المطربين المغاربة من خلال برنامجه، لم تستطع مواجهة والدها لتطلب منه المشاركة في البرنامج، فاستعانت بأختها زهور التي تكبرها سناً لإقناع والدها بالمشاركة في البرنامج، لكن الأخير رفض بإصرار، ولم تقف مكتوفة الأيدي، إذ توجهت لمعد البرنامج نفسه، الذي أصر على مرافقتها لإقناع والدها ونجح، بشرط أن تغني نعيمة أغاني دينية أو وطنية، فشاركت في البرنامج وفقاً للشروط، لكنها لم تسلم مع ذلك من انتقادات وهجوم عائلتها، حيث شنت عليها حرب داخل البيت، وفيما بعد اقتنع والدها بما تغنيه، ما دامت أغانيها تلتزم الحشمة والأصالة.
في البداية، غنت نعيمة «لالة نعيمة»، كما يناديها الجميع بالمغرب، باللهجة المغربية كلمة ولحناً، وذاعت رائعتها «ياك أجرحي» في المغرب، كما في المشرق إلى جانب روائعها الأخرى «على غفلة»، و«راح»، و«البحارة»، و«أمري لله»، و«جاري يا جاري»، و«أنا ديني دين الله»، كما غنت باللهجات الليبية، والمصرية، والعراقية، والخليجية.

«ياك أجرحي»
تساءل الناس عن سر العمق في أغنية «ياك أجرحي» أو «جريت وجاريت»، وهي الأغنية التي ذاع صيتها، وتعتبر من روائع نعيمة، وما إذا كان للأغنية ارتباط بحالة معينة عاشتها نعيمة، نظراً لما تضفيه عليها من حس مرهف، حتى إنَّها تَبكي وتُبكي مرات عديدة خلال تأديتها بصوتها الشجي، أمام التساؤل روت للإعلام حكايتها مع أغنية جعلت اسمها يتجاوز الحدود: «لقائي بأغنية (ياك أجرحي) جاء مصادفة، حيث التقيت بالأستاذ علي الحداني، بمدينة الرباط، وكانت الأغنية جاهزة، ولم تكن معدة خصيصاً لي بشكل مسبق، طلب مني غناء مقطع من كلماتها، وبعد ذلك اقترح عليّ أن أغنيها كاملة، وكان ذلك سنة 1975 فحفظت الأغنية خلال مدة زمنية لم تتعد 48 ساعة، وبعد 15 يوماً من تسجيل «ياك أجرحي» أصبت بمرض فقر الدم، ودخلت المستشفى، وكانت الصدفة أن تزامنت فترة مرضي مع فترة إذاعة الأغنية، فاعتقد الجمهور أن الأغنية أعدت خصيصاً لي، لأنها تصف معاناتي مع المرض، ومن ثم أصبح ارتباطي بهذه الأغنية شخصياً ووجدانياً».

بنت الدار البيضاء
نعيمة سميح، بنت درب السلطان في مدينة الدار البيضاء، الرَّحِم الذي أنجب العديد من الفنانين والرياضيين والسينمائيين والمسرحيين، نذكر منهم المطرب الراحل محمد الحياني، صاحب رائعة «راحلة»، ومحمد العلمي، والمسرحية ثريا جبران «وزيرة الثقافة سابقاً»، والمسرحية نعيمة المشرقي سفيرة النوايا الحسنة، والرياضي عبدالمجيد الظلمي، وغيرهم كثير، جيل استطاع أن ينسج لنفسه مكانة يعتز بها مغرب اليوم، عملت خلال مشوارها الفني مع فنانين وملحنين مغاربة كبار، مثل الملحن بن عبدالسلام، وعبدالله عصامي، ثم الملحن عبدالقادر الراشدي، الذي عمل على إبراز مواهبها الدفينة، لم تدرس الموسيقى، ولكنها تميزت بحس وأذن موسيقية مرهفة، ساعدتها على إتقان أداء أغانيها بتصنيفاتها المتنوعة، وفقاً للمختصين.

حزن وفرح
عاشت الحياة بحلوها ومرها، وفقدت أفراداً أعزاء من أسرتها، كان آخرهم أختها وصديقتها الإعلامية زهور سميح، فغنت لها أغنية «شكون يعمر هذ الدار اللي خوتيها»، وأحلى فرحة نعيمة سميح ابنها شمس، الذي تعتبره أجمل أغنية في حياتها، وشمس ابنها الوحيد، ويتبع خطواتها في مجال الغناء.

حفلات ضخمة
عندما كان يرد اسم نعيمة سميح على لائحة المهرجانات الغنائية، فإن الاستعدادات تصبح مختلفة عن العادي من الاحتفالات، بحيث تنفذ كل التذاكر في وقت وجيز، وتحسباً لذلك صارت تقام حفلات نعيمة في المدرجات الرياضية لتملأ عن آخرها، وتغني في القصور القديمة المخصصة لإقامة الحفلات، كقصر التازي بالرباط، والساحات الفسيحة المفتوحة، وقد حصل أن كانت تقام إحدى الحفلات في مدرج رياضي بإحدى المدن المغربية في إطار أسبوعها الثقافي.
وكان يشارك عدد كبير من الفنانين إلى جانب نعيمة سميح، فملأ الشغب المكان، ولم يرحم الجمهور الفنانين من الانتقادات والصراخ رفضاً لهم، وبهدف تسكين الفوضى العارمة التي عمّت المدرج، اقترح أحد المسرحيين إدخال نعيمة سميح لتغني قبل أن يحين موعدها، وعند إطلالتها سكن الجمهور ووقف تحية تقدير، وانهالت التصفيقات لأكثر من ثلاث دقائق، وغنت نعيمة وأطربت وهدأت روعة المكان.

دقة الاختيار
صنعت نعيمة سميح اسماً لها على الساحة الفنية المغربية، بموهبتها وجمال صوتها، وتركت بصمتها الراسخة باختيارها الدقيق للأغاني، إذ هي ترفض الغناء ما لم تكن مقتنعة بكلمات الأغنية، استناداً إلى تجربتها الثرية التي منحتها معرفة بذائقة الجمهور، والقدرة على التمييز بين الجيد وسواه، وهي تعتبر جمهورها سماعاً وذواقاً، حيث ينتبه للكلمة واللحن الجيد والأداء، حسب تصريحها لإحدى القنوات المغربية، وبذلك فهي تحسب خطواتها جيداً قبل الموافقة على أي أغنية، وتؤكد أن المغني الناجح لم يعد ملك نفسه، بل هو ملك جمهوره لذا يجب مراعاة هذا الجانب، وتعتز نعيمة سميح بانتمائها لبلدها المغرب، وتقول عبر الأثير: «النعم كلها في بلاد المغرب، مع احترامي لكل البلدان، ولو أعطوني كل الجنسيات لن أرضى تراباً غير ترابي، وبلدي عزتي، فأنا فخورة به حد التبجيل».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©