السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

إسبانيا.. خزائن المعرفة في الأندلس

مكتبة الأسكوريال
15 مايو 2020 00:07

إعداد: شاكر نوري

مخطوطاتنا العربية والإسلامية، بكل ما تحمل من علوم ومعارف وجماليات، هي كنوزنا الروحية، وذاكرة الأمة، ولكن الآلاف منها متناثرة في المكتبات الأجنبية في العالم، حيث اقتناها الغرب عاشقاً وطامعاً، واستولى على كثير منها بعد أن كانت محفوظة في خزائن الكتب في المساجد والمدارس ودور العلم وقصور الخلفاء والأعيان.. وقد استنار الغرب بحضارتنا العربية الإسلامية العريقة، واستفاد منها في علومه ومعارفه، ولذا نسلط الضوء على المخطوطات العربية والإسلامية الموجودة في عدد من مكتبات العالم حالياً.

مما لا شك فيه أن معظم المخطوطات العربية والإسلامية ورثتها إسبانيا من المدن الأندلسية الذائعة الصيت: كغرناطة وقرطبة وإشبيلية وبلنسية ومرسية وغيرها، ورغم تعرّض جزء منها للحرق والدمار، إلا أن المكتبات والجامعات والمراكز العلمية الإسبانية لا تزال تحتفظ بالآلاف منها، ففي المكتبة الوطنية بمدريد يوجد نحو ألفي مخطوطة عربية، ودير الأسكوريال ما بين 2 و3 آلاف واحترق جزء منها في حريق عام 1671، إضافة إلى خزانة «مولاي» زيدان السعدي التي تُقّدر بـ 4 إلى 5 آلاف مخطوط، منها «جمع القوانين المقدسة»، تعود إلى العام 480 هـ، ونسخة من شرح «الموطأ لابن مالك» و«المنتقى»، يعود إلى عام 474 هـ، ونسخة من «مختصر ابن سيناء في استعمال الترياق والسكنجبين» في عام 473 هـ، ونسخة من «نسب عدنان وقحطان» للمبرد يعود إلى عام 450 هـ. و«جمع القوانين المقدسة»، وهي نسخة قديمة لا يُعرف مؤلفها تعود إلى العام 480 هجرية، وجُمعت فيها قوانين كنسيـة، وكتاب «منافع الحيوان» لابن الدريهم الموصلي.

  • مخطوط عربي في مكتبة ايسكوريال

وتضمّ هذه المكتبة الآن حوالي 45 ألف كتاب مطبوع تعود للقرنيْن الخامس عشر والسادس عشر، وما يزيد على 5 آلاف مخطوط تتوزّع حسب أهميتها ومضامينها على لغات عديدة، تأتى اللغة العربية في المرتبة الأولى بنحو 1700 مخطوطة، أما البقية فتوجد باللغات اللاتينية والقشتالية والأغريقية والإيطالية والفرنسية والصينية والألمانية والتركية وغيرها.
وقد ازدهر تأليف المخطوطات العربية في إسبانيا الإسلامية خلال القرنين العاشر والحادي عشر، حيث كانت الأندلس تتباهى بأعلى معدل معرفة بالقراءة والكتابة في أوروبا.
وفي هذا الصدد، قال المؤرخ الهولندي الكبير راينهارت دوزي، إن الجميع كان يقرأ تقريباً في أيام الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الثالث «912 - 961»، حيث جمع هو وابنه الحكم الثاني مكتبات ضخمة من الكتب والمخطوطات وصلت مقتنيات الابن نحو 400 ألف كتاب ومخطوط.
وأصدرت إسبانيا كتالوجاً يملأ 44 مجلداً للمخطوطات العربية والإسلامية، تميّزت معظمها بالتزيين والزخرفة، وخاصة القرآن الكريم، إذا ساد تزيين المصاحف والمخطوطات في القرن الحادي عشر، بالزخارف النباتية. ووفقاً للمؤرخ الإسباني في القرن التاسع عشر دون باسكوال دي جايانغوس، تعرضت المخطوطات العربية والإسلامية للحرق والدمار على يد الكاردينال خيمينيز دي سيسنيروس في غرناطة عام 1499 على افتراض أن كل شيء مكتوب باللغة العربية هو القرآن الكريم الذي يشكّل خطراً على الإيمان المسيحي.
وهناك ثلاثة مخطوطات نجت من هذا الدمار، أولها نسخة من أطروحة عن علم الفلك الصوفي، وقصة حب في القرن الثالث عشر، وخرافات «عزاء الملك» في القرن السادس عشر.

  • مخطوط في الرياضيات العربية (الصور من المصدر)

وحتى مع المصاحف، التي من الصعب التأكد من أصولها الأندلسية، لأن العلاقات الثقافية كانت وثيقة مع المغرب قبل نهاية القرن السادس عشر، ومن الصعب تحديد ما إذا كان المصحف «الأندلسي» قد كتب بالفعل في إسبانيا أو من قبل الأندلسيين اللاجئين عندما غادرت العائلات النبيلة والثرية، رعاة الفنون، مملكة غرناطة. ولكن مع تراجع الفن في إسبانيا، ازدهر في شمال أفريقيا، حيث حول الرسامون انتباههم إلى العديد من الأعمال الأخرى في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وكان من أبرزها مجموعة معروفة من الولاءات والذكر التي ألّفها محمد بن سليمان بن أبي بكر الجزولي، المتوفي عام 1465، والذي قدم هذا العمل مع رسومات تصل إلى 60 صفحة، بما في ذلك لوحات مكة والمدينة المنورة وعلم الأنساب.
وعلى الرغم من ظهور الطباعة الحجرية في العالم العربي في القرن التاسع عشر، إلا أن العديد من المخطوطات كانت لا تزال مكتوبة باليد، ولا سيما كتب الصلاة والحديث والقرآن الكريم، وأكثرها شهرة هي أعمال ابن رشد المكتوبة في القرن الثاني عشر، وكتاب الفارابي عن الموسيقى.
وتتميز مجموعة المخطوطات العربية في إسبانيا أن بعضها كُتب بلغة الألخميادو، حيث تعتمد على نسخ اللغة الرومانية القشتالية بأحرف عربية، بعد سيطرة الملوك الكاثوليك من أجل أن الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية.
وتحتوي المكتبة الوطنية في مدريد على مخطوطات من المغرب العربي تعود إلى الحقبة الأندلسية، لكن أغلبها يعود لما بعد سقوط الأندلس، بسبب التدمير والضياع الذي تعرضت له المخطوطات مع نهاية العصر الأندلسي وخروج كثير من الكتب والمخطوطات مع أصحابها في هجرتهم من الأندلس إلى شمال أفريقيا.
وبقيت مساحة متفاوتة من شبه الجزيرة الأيبيرية تحت سيطرة المسلمين من 711 حتى نهاية القرن الخامس عشر. عندما تم تسليم مفاتيح مدينة غرناطة إلى الملوك الكاثوليك في عام 1492، تم تجريد المسلمين الأيبريين من أي سلطة سياسية.
وبعد مرور بضع سنوات، أجبرتها السلطات المسيحية على التخلي عن الهوية، وتم حظر الدين والعادات الثقافية «الملابس والطعام والأعياد والعقائد»، وكذلك استخدام اللغة العربية، المنطوقة والمكتوبة.

  • مخطوطات متناثرة

وعلى الرغم من هذه المحظورات، ظهرت المؤلفات المكتوبة بالحروف العربية منسوخة ومتداولة، وعلى الأخص خاصة القرآن الكريم. وقد ازدهرت في النصف الثاني من القرن السادس عشر مع الموريسكيون.
من ناحية أخرى، تأسس المعهد العربي الإسباني المختص بالحضارة العربية الإسلامية والعلوم الإنسانية والاجتماعية في 1954 ويحتوي على كنوز ببليوغرافية من مطابع أوروبية وعربية، مع خرائط أو لوحات المستشرقين، وفي الكتالوج الذي أصدره المعهد يوجد نحو 90 بالمئة من مجموعتها التراثية القديمة موجودة في هذا المستودع.
ويرجع تنوع «لغة» المخطوطات إلى أن فيها ما هو مكتوب بالعربية أو «بالعجمية»، وهي كتابات استخدمها سكان الأندلس العرب الذين بقوا في أراضيها بعد سيطرة الملوك الكاثوليك عليها، فكانوا يتحدثون القشتالية القديمة التي استخدمها السكان العرب آنذاك، ولكنهم يكتبونها بالحروف العربية حفاظاً على هويتهم.
وتتضمن المجموعة ما يربو على 600 مخطوط متنوعة الأحجام. فمنها المجلدات الكاملة والكتب والوثائق وصناديق تحتوي على أجزاء من وثائق متعددة الموضوعات وتعود إلى تواريخ مختلفة.
وقد استطاع المغرب أن يحصل على نسخ تصوير للمخطوطات المغربية الموجودة في مكتبة الإسكوريال بمدريد وإعداد نسخ منها على الميكروفيلم لتصبح متوفّرة للاستعمال في المكتبة الوطنية بالرّباط.

* المصادر:
Manusipts. National library of Spain
Manuscripts of Muslim Spain  Islam. Ru
كنوز عربية في إسبانيا... قصة المخطوطات العربية في المكتبة الوطنية

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©