الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

الريحاني.. جامعة الدول «الفنية»

الريحاني.. جامعة الدول «الفنية»
2 مايو 2020 00:16

أحمد القاضي (القاهرة)

سخر من موته وهو حي يرزق، وكما أضحك جمهوره طيلة حياته، أضحكهم وهو على فراش الموت عندما استكمل رثاء نفسه الذي نقل عنه في الصحف العربية: «مات الرَّجُل الذي لا يعرفُ إلَّا الصراحة في زمن النفاق، ولم يعرف إلَّا البحبوحة في زمن البُخل والشُّح، مات الريحاني في 60 ألف سلامة».

عندما علم نجيب الريحاني أن أمامه ساعات معدودة في الحياة استغل الفرصة ورثى نفسه قائلاً: «مات نجيب، مات الرَّجُل الذي اشتكى منهُ طوب الأرض وطوب السَّماء إذا كان للسماء طوب، مات نجيب الذي لا يُعجبه العجب ولا الصيام في رجب».
قبل الوفاة بشهر كانت تجري تحضيرات عرض فيلمه الأخير والأشهر وهو «غزل البنات»، الذي تعاون فيه مع نجمة الغناء حينها ليلى مراد، فقد أنهى التصوير وهو يعاني بعد إصابته بمرض التيفويد ونال المرض من قلبه ورئتيه بسرعة، فغادر عالمنا عام 1949 ليترك خلفه الكثير من الأعمال التي وصفت بأنها سابقة لعصرها.
في 1889، ولد الكوميدي الأشهر في القرن العشرين في حي باب الشعريَّة بالقاهرة لأم مصرية وأب عراقي، وكان أوسط إخوته، ودرس في أرقى المدارس الفرنسية آنذاك فوالده «إلياس» كان ميسور الحال، لكن لم تدم حالة الثراء كثيراً، حيث فارق والده الحياة وهو في المرحلة الثانوية، واضطر نجيب للنزول إلى سوق العمل لمساعدة والدته.

العائلة
تزوج الريحاني من اللبنانية الاستعراضية بديعة مصابني، ولم يستمر الزواج طويلاً بسبب الخلافات، وحينها تعرف على الألمانية لوسي دي فرناي، وأنجب منها ابنته الوحيدة جينا، ولكن في القرن الماضي لم تكن ألمانيا تسمح بزواج الألمانية من أي جنسية أخرى، فاضطرت الأم إلى تسجيل ابنتها باسم رجل آخر، حتى ظهرت جينا مؤخراً في عام 2017 وعمرها سبعون عاماً لتثبت صلتها لوالدها وتحكي عن علاقته به.
ولم تتوقف الأشياء الغريبة عن الحدوث مع الريحاني، فابنته التي ظهرت حديثاً تبين أنها تزوجت من رجل من صعيد مصر من محافظة أسيوط، ومنعها من العمل في الفن؛ لأنه من أسرة محافظة- حسب حديثها- ولم تتمكن من تحقيق حلمها بأن تصبح فنانة كوميدية مثل والدها، واضطرت للجلوس في المنزل لترعى ابنها وابنتها، وبعد وفاة زوجها قررت الخروج للحياة لتعلن أن للريحاني بقية تمشي على الأرض.
وجاءت وفاة الريحاني بمثابة الصدمة للكثيرين، حيث إن مرض التيفوئيد لم يكن له علاج وقتها في مصر، وقيل إن رئيس الوزراء مُصطفى النحَّاس باشا أمر بإحضار الحقن المُخصصة لِلعلاج من الخارج وتمَّ إحضارها بالفعل، وكشف الناقد المسرحي أحمد سخسوخ، العميد الأسبق لمعهد الفنون المسرحيَّة، أنَّ وفاة الريحاني كانت بسبب إهمال مُمرضته بالمُستشفى اليوناني، حيث أعطته جرعة زائدة من عقار الأكرومايسين ليموت بعدها بِثوانٍ.
وكانت زوجته قدمت إلى مصر للوُقوف إلى جانب زوجها، وأشارت جين - ابنتهما - إلى أن والدها توفي أثناء غياب والدتها عند مُدير المُستشفى لِتطلب وُجود أحد الأطباء إلى جانبه بعد أن زادت صحته سوءاً، فلمَّا عادت وجدت إحدى المُمرضات تبكي خارج الحُجرة، فدخلتها لِتجد الريحاني أسلم الروح، وأغلق الأطباء الغرفة على الجُثمان ومنعوا أسرته من الدخول كي لا يُصابوا بالعدوى.

مطرود دائماًً
اكتشف موهبة الريحاني الفنية المبكرة أستاذه للغة العربية، بحر، فعينه رئيساً لفريق التمثيل بالمدرسة، ولم يكتفِ الريحاني بساعات التدريب على المسرحيات، فكان يختبئ في غرفة التدريب وتمر الساعات، وهو يؤدي تدريبات صوتية تساعده على تقديم الكثير من الشخصيات، ولكن والدته لم تكن معجبة أبداً بهذا الأمر. وفي كل مرة يحاول الريحاني فيها العمل موظفاً، كان يفشل فشلاً مدوياً ويعود للفن، وكانت المرة الأولى في السادسة عشرة من عمره حين ترك وظيفته في البنك الزراعي لكثرة تغيبه عن العمل، فطرده مسؤولو البنك خارج جدرانه، فتركهم غير آسفٍ على الوظيفة وذهب إلى صديقه عزيز عيد ليعمل معه في فرقته المسرحية. وينال الريحاني كل الصخب والشهرة ويطغى بموهبته على زملائه في الفرقة، فيطرده عزيز أيضاً بعد أن شعر بالغيرة منه، لا يستسلم الفنان الساخر المطرود من كل مكان، ويذهب إلى فرقة أخرى كانت مشهورة بعض الشيء وهي فرقة عطا الله. مرة ثانية، يغادر الريحاني عالم الفن إلى عالم الواقع، حيث ذهب إلى صعيد مصر ليعمل بمصنع سكر، ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه لم يولد لهذا العمل الروتيني، فعاد إلى القاهرة، وفي هذه المرة طردته والدته من المنزل، فاتجه إلى مقهى برنتانيا، لصاحبه اليوناني عاشق الفن، ومن هنا كانت بدايته الحقيقية.

«اجلب كرسيك معك»
في المقهى اليوناني، كون نجيب الريحاني فرقة لامعة تكونت من بديع خيري، صديق حياته، وسيد درويش، وأمين صدقي، وأمين عطا الله، وروز اليوسف، وكانت فرقتهم تقدم عروضها المسرحية في كراج، ولكن إذا أردت الحضور فاجلب مقعدك معك، فلا توجد لهذا المسرح كراسي، ومع هذه الفكرة الغريبة انتشرت الفرقة وذاع صيتها.
ومن هذا المسرح، اخترع الريحاني شخصية «كشكش بيه» التي اشتهر بها حتى عندما انتقل إلى عالم السينما، ومن خلال هذه الشخصية انتقد نجيب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر، وكانت مسرحياته في البادية تقليداً لأعمال الكاتب الفرنسي موليير، فقد وقع في غرامه وقرأ بسببه أغلب الأعمال الأدبية الفرنسية.
ولكن لم يدم التقليد كثيراً، حيث نجح الفنان الكوميدي في خلق حالة جديدة في المسرح المصري، وكان سبباً في بدء مرحلة المسرح الفكاهي العربي وتطويرها، وأدخل عليها الكثير من الأدوات الحديثة في هذا الوقت، فعرف عن أعماله أنها كانت سابقة لعصرها.

50 عملاً
حسن ومرقص وكوهين، هي آخر أعماله المسرحية التي بلغ عددها 50 عملاً، قدم منها 33 عملاً مع صديقه بديع خيري، وقدمت معظم هذه الأعمال على مسرح الإجيبسيانيه، الذي يحمل اسمه في الوقت الحالي، ومن هذا المسرح خرجت الكثير من المسرحيات التي سافر بها نجيب إلى كل مكان في مصر وإلى الجزائر وتونس.

غزل البنات
صاحب السعادة كشكش بيه، وسلامة في خير، وسي عمر، هي أشهر أعماله السينمائية، ولكن الأشهر كان فيلم غزل البنات الذي تعاون فيه مع ليلى مراد، ومات قبل شهر واحد من عرض الفيلم، وقبل وفاته بنى قصراً ليعيش فيه الفنانون الذين يعانون أمراض الشيخوخة ولا يجدون من ينفق عليهم، فلم يكن للفنان أي معاش أو تأمين صحي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©