الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

صالح الشحي.. «قصة الأمس»

الشحي يفتح خزائن التراث البحري للسياح (أرشيفية)
30 ابريل 2020 00:12

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

نشأ بمحيط اجتماعي متماسك، وسط أسرة غارقة في مهنة البحر، عناصر جعلت النوخذة صالح الشحي خبير التراث يشعر أن الشهر الكريم في صغره شكّل أجمل ذكرياته، وجعل حياته حافلة بالتجارب والقصص المرتبطة بالبحر، وهو الذي تحداه وواجه مشاقه منذ نعومة أظافره، فعندما يغوص في ذاكرته، يفتح خزائنها ويخرج ذكريات ممتعة رغم قساوتها، محملة بالمشاعر والأحاسيس، لا سيما في جانبها المرتبط بذكريات الشهر الكريم.
ويعتكف حنبلوه أيام رمضان الكريم بمتحفه الذي أطلق عليه «متحف زايد»، تيمناً باسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بمنطقة الرمس في رأس الخيمة، ويقضي أغلب وقته منشغلاً بالذكر والعمل على صناعة أدوات تراثية ارتبطت بمهنة الأجداد، متخذاً من هذا الفضاء واحة لتعليم الأجيال أيضاً.

يعمل صالح الشحي على توثيق التراث البحري من خلال متحفه الذي يضم العديد من الأدوات والمقتنيات الضاربة في القدم، التي تعكس ارتباط أهل المنطقة بالبحر، وتترجم عشقه للبحر الذي لم تثنه سنه عن خوض غماره، لا سيما أنه بدأ قصته مع البحر مبكراً قبل أن يصل عمره السابعة، حيث كان يرافق والده في الرحلات البحرية.
وجعل من متحفه واحة لتجمع كبار المواطنين خلال الشهر الفضيل، إلى جانب الأطفال والشباب، وحوّله بذلك إلى مدرسة لنقل الخبرات والقيم، لكن في الظروف الحالية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا المستجد، فإن التجمعات تقتصر على أفراد عائلته، وتعليم أحفاده مفردات التراث وممارسة الألعاب الشعبية القديمة، كما يفضل الإسهام عن بُعد في توثيق التراث البحري من خلال مساهمته في نشر فقرات عن هذا الموروث، من خلال بعض المنصات الإلكترونية.
وقال: كبرت في البحر، وكنت في ذلك العهد أصغر نوخذة صيد، مارست الصيد منذ كان عمري 7 سنوات، وأصبحت نوخذة بعد خمس سنوات حين كان عمري 12 عاماً، كنت نوخذة على ستة بحارة، كنت أتسم بالشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار، فقلدني والدي هذا المنصب على إحدى سفنه، خبرت البحر وأسراره، مما جعلني أحرص على نقل هذا الإرث للأجيال، وأساهم في إطلاق المبادرات للحفاظ على هذا الموروث ونقله للأبناء والأحفاد وتعليمهم، وحثهم على الافتخار به وممارسته، حتى لا يندثر.
الشحي الذي ما زال يمارس ركوب البحر، يبوح بأسراره للطلاب ولعشاق السياحة البحرية، وأنه دائم التفاعل مع جميع الجهات العاملة على توثيق التراث لتزويدهم بالمعلومات، ويستقبل الزوار في متحفه، ويسهم في إنجاح البرامج التراثية، عبر جمع كبار السن للحديث عن المهنة وتاريخ منطقة الرمس، والعمل على توثيق هذا الإرث شفهياً، وكذلك نقله للأجيال، عبر تعليم الصغار مهن الأجداد.
ووضع خريطة توضح جميع الأماكن الخاصة بالصيد على طول شاطئ الرمس وخيرانه، مشيراً إلى أنه وضعها للتوثيق، حتى تبقى أماكن الصيد معروفة للجميع بأسمائها القديمة.

  • صالح الشحي يستعرض أسرار البحر (أرشيفية)

تلاحم
وعن ذكرياته المرتبطة برمضان، أكد أن الحياة في ذلك الوقت كانت بسيطة، لكنها كانت محملة بمشاعر الحب والتسامح، وأن هذا الشهر الفضيل شكّل مدرسة لتعلم القيم والأخلاق، وتعليم الأبناء من الأطفال والشباب قيم العطاء والمواطنة، وتعزيز العادات والتقاليد من احترام الكبير والحنو على الصغير في كنف مجتمع متلاحم ومتعاون، بحيث كانت الأطعمة بسيطة وقليلة، لكن بالتلاحم تصبح سفرتنا متنوعة، لا سيما أن رمضان لا يحلو إلا بلمة رجال الفريج وتبادل الأطباق.

لقاء الذكريات
لا يتصور الشحي العيش في مكان آخر غير منطقة الرمس مقابل البحر، موضحاً أن الفريج كان مفتوحاً، ولم تكن هناك حواجز، وكان ذلك ينعكس على المشاعر أيضاً، بحيث كان الجار يسأل عن جاره، ويزوده بالمؤونة، ويفتح له الباب للتزود حتى بوقود الطبخ، إن لم يتوفر لديه، فمن أبواب التكافل أن بعض النساء تجتمع لتطبخ عدة أطباق على موقد واحد، سواء الخبز أو الهريس، وهن يتجاذبن أطراف الحديث، بينما يتم إرسال الأطباق مما يطبخ داخل الأسرة إلى الجيران.
وقال: نحرص على أن نلتقي يومياً مع الجيران والأهل، كنا نجتمع، نحن الرجال، بعد صلاة التراويح، حتى الساعة الواحدة، ونعود لبيوتنا بعد أن نتناول السحور، ورمضان بالنسبة لنا فرصة للتسامح والتسامي والتراحم، أما الأطفال، فكان لهم نصيب من الفرح في هذا الشهر، بحيث كنا نلعب ونجلب الماء، بينما يوكل للفتيات الصغيرات أخذ الأطباق إلى الجيران.

أطباق
تشكلت سفرة رمضان في ذلك الوقت من الأرز والسمك والتمر أو جريش والتمر، والهريس، وبعض الحلويات البسيطة التي تصنع من الدقيق والسمن والسكر، بينما تبقى الأكلات المفضلة عند أهل البحر طبخ السمك بجميع الطرق، أما اليوم، فتنوعت الأطباق وعم الخير وسهلت الحياة، ولكن يبقى الحنين دائماً لذكريات قديمة تسكن الوجدان، ارتبطت ببراءة الطفولة وعنفوان الشباب.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©