الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

مصطفى الفردان.. «عاشق اللؤلؤ»

مصطفى الفردان.. «عاشق اللؤلؤ»
29 ابريل 2020 00:19

خولة علي (دبي)

اعتمد أهل الإمارات والخليج قديماً على مهنة الغوص وتجارة اللؤلؤ، فقد كانت رائجة في الماضي نتيجة المقومات الطبيعية السائدة في المنطقة وتضاريس البيئة البحرية التي أدت إلى نمو أجود أنواع اللؤلؤ في العالم فيها، ولكن مع تغير الظروف الاقتصادية، وظهور الخام الأسود، تغيرت موازين الموارد الاقتصادية في المنطقة، ما سحب بدوره البساط من تجارة اللؤلؤ التي ظلت حاضرة كإرث تاريخي وثقافي مهم توارثه الآباء عن الأجداد، وأحياه الأبناء الذين ترعرعوا وتشربوا علوم هذه الصناعة، وتجارتها، ليسردوا أسرارها في المهرجانات التراثية، متخذين خط أجدادهم، ولكن بطريقة أقرب ما تكون للحفظ والبحث ونشر المعرفة، ومن بينهم الهاوي والباحث مصطفى الفردان، فقد ارتبط بهذه الصناعة التي ورثها من أجداده، وكرس وقته وجهده في التعرف على تفاصيلها، والإبحار في مكنون هذه الدانات واللآلئ منطلقاً من أسس وخبرات تاريخية متوارثة، واستطاع أن يعد دراسات مستفيضة حول مهنة الغوص وتجارة اللؤلؤ.
في مجلسه الذي يعبق بالتراث والحياة البحرية، جلس الباحث والتاجر الإماراتي مصطفى الفردان ليروي لنا عن تراث مهنة الغوص وما جمعه من علوم ودراسات بحثية حولها، انطلاقاً من رحلة أجداده في تجارة اللؤلؤ وحفظه هذا الموروث والتعريف به، قائلاً: لقد نشأت وترعرعت في كنف عائلة توارثت تجارة اللؤلؤ وصناعته، فكنت حريصاً على مجالسة جدي إبراهيم الفردان الذي لقب بـ«طبيب اللؤلؤ»، من قِبَل مَن تعاملوا معه في هذا المجال، وذلك نظراً لكونه يتميز بدقة وخبرة في معالجة الدانات، فكانت لديه نظرة دقيقة بخصوص حبات اللؤلؤ التي تعلم الكثير عنها من والده حسن الفردان، فللعائلة خبرة متوارثة طويلة في الكشف عن صنف اللؤلؤ ومعالجة مشاكله وآفاته، فعادة ما تتعرض حبات اللؤلؤ لضرر أثناء وجودها في المحار أو الصدف كحدوث خدش، أو تغيير لونها جراء تكوّن طبقة عليها بسبب دخول آفة عليها في المحار.

عقد أم كلثوم
واستطرد الفردان: كان جدي يملك الكثير من الخبرات والمهارة العالية في معالجة هذه المشاكل من خلال استخدام أدوات بسيطة كالمبرد، فتخرج حبات اللؤلؤ من بين يديه براقة خالية تماماً من العيوب. كما أذكر أن جدي قام بتصميم عقد شهير لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، وذلك بطلب إحدى الشخصيات الخليجية، وهذا الأثر الجميل الذي لمسته وشاهدته وأنا صغير نمّى في داخلي عشقاً لا يوصف لهذا الموروث الذي انتقل عندنا أباً عن جد، في تجارة اللؤلؤ وصناعته.
وقال: لأجواء رمضان خصوصية مميزة، حيث أعتبرها ملتقى مهماً للعائلات والأسر، فمجلسي يحتضن عادة الكثير من الأصحاب والإخوة المهتمين بالتراث، فنتبادل الأحاديث الودية ونتطرق إلى ذكريات مهمة من تاريخ العائلة في تجارة اللؤلؤ، فالكل يدلي بدلوه، وينطلق في الحديث من منطلق أهمية مشاركة المعلومات والمعرفة التاريخية التي يود البعض الاطلاع عليها والاستزادة منها، خصوصاً من لم يعاصر ذلك الزمن. فرمضان يتحول إلى بيئة تعبق بالعلوم والمعرفة والثقافة والتراث، فالأمسيات الرمضانية تزدهر بالمجالس والزيارات، وهذه المعاني قد تقل في الأيام العادية، وقد تختفي تماماً نظير الانشغال الدائم من بعض الناس. ولكن أجواء رمضان دائماً ما نستعيد فيها ذكريات مهمة في تاريخ الغوص وتجارة اللؤلؤ نظراً لقيمة وأهمية هذه المهنة قديماً والتي أصبحت من الثقافة والتاريخ في الوقت الحالي.

قطع فريدة
وحسب الفردان: لو تحدثنا عن تاريخ ارتباط أهل الخليج بمهنة الغوص وتجارة اللؤلؤ، لوجدنا أنه منذ آلاف السنين، وقد تم الكشف مؤخراً في جزيرة مروّح في أبوظبي عن لؤلؤة عمرها يقارب ثمانية آلاف سنة، وهذا دليل كافٍ على وجود بيئة حاضنة ساهمت في نمو قطع فريدة ومميزة من اللؤلؤ على مستوى العالم، فطبيعة الهيرات البحرية في دولة الإمارات تعتبر الأفضل في إنتاج اللؤلؤ الطبيعي والأغلى ثمناً، وكان في التاريخ تزاحم من قبل الغواصين على هذه المنطقة. ومن الأساطير والخرافات المتداولة قديماً، أن جلجامش، وهو شخصيةً مهمة في الأساطير السومرية، جاء بنفسه وغاص باحثاً عنها إلا أن ثعباناً سبقه، فابتلع الزهرة ومات جلجامش وخلد الثعبان، فتغير جلده كناية عن تجديد الحياة لهذا الثعبان، وهي كما أشرت من الخرافات المتداولة في بعض المجتمعات قديماً.
وأشار إلى أن دولة الإمارات تتميز عن غيرها من دول الخليج بكثرة الهيرات، وهي مغاصات اللؤلؤ، وطبيعة التضاريس والأرخبيل البحري، خصوصاً في أبوظبي، حيث تمثل 70% من مغاصات الخليج ناهيك عن منطقة الدور الأثرية في أم القيوين التي يرجع عمرها تقريباً لخمسة آلاف سنة، حيث تم العثور على لؤلؤة عمرها أيضاً ثمانية آلاف سنة، وكذلك منطقة دبا عرفت أيضاً تاريخياً بمغاصات اللؤلؤ.

وثائق وصور
قال مصطفى الفردان: أنا أجد نفسي أيضاً مسؤولاً عن صون هذا الموروث والتعريف به من خلال المشاركة في المعارض والمهرجانات التراثية، المحلية والخارجية، لعرض هذا الإرث بالوثائق والصور، وأيضاً قمت بتوثيق مهنة الغوص والبيئة البحرية من خلال تأسيس متحف مصغر في مجلسي الخاص في البيت، تضم القطع والمعدات المرتبطة بمهنة الغوص، إضافة إلى حبات من اللؤلؤ الخليجي التي تحمل سجلاً يثبت منشأها وتاريخها الذي يعود إلى أكثر من مائة عام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©