الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

ابن طفيل.. فيلسوف الأندلس الباحث عن الحق

ابن طفيل.. فيلسوف الأندلس الباحث عن الحق
27 ابريل 2020 00:20

مشاعل.. في تاريخ الفكر الإسلامي

«نحتاج إلى لحظة تأمل في تراثنا الحضاري الإسلامي.. لحظة ندرك من خلالها هذه اللمحات المضيئة التي ساهم بها العديد من المفكرين العرب والمسلمين من خلال علمهم وأفكارهم، لا لكي نرتكن إليها، ولكن من أجل الاسترشاد بها في الاستعداد للمستقبل والتميز في الحاضر، والانطلاق من المفيد منها أولاً ومنجزات العصر ثانياً.
ابن طفيل، أبو بكر محمد بن عبدالملك «506-581 هـ»، هو الفيلسوف الأندلسي المعروف بصداقته لفيلسوف قرطبة ابن رشد، والذي لم يصلنا من آثاره الفلسفية سوى رسالته «حي بن يقظان»، وهي إحدى قصص ثلاث تحمل الاسم نفسه: الأولى لابن سينا، والثانية لابن طفيل، والثالثة للسهروردي.. و«حي بن يقظان» هي رسالة يعرض فيها ابن طفيل، في قالب قصصي، مضمون «الفلسفة المشرقية» التي قال عنها ابن سينا إنها، عنده «الحق الذي لا مجمجة فيه».
وكان ابن طفيل يعمل طبيباً وموظفاً كبيراً في «دولة الموحدين»، منذ مؤسسها الفعلي عبدالمؤمن بن علي «اليد اليُمنى للمهدي ابن تومرت»، واستمر في عمله في عهد أبي يعقوب يوسف بن المأمون، الذي تولى الخلافة بعد وفاة أبيه «558 هـ»، ذلك الخليفة الموحدي الذي كان يجمع بين المعرفة بعلوم الدين والاهتمام بالفلسفة وعلومها.
وكان «مأمون» دولة الموحدين يحيط نفسه بحاشية من العلماء والفقهاء والفلاسفة، وكان يهتم بجمع الكتب بمختلف أنواعها، حتى اجتمع له من كتب الفلسفة قريباً مما اجتمع للحاكم الثاني المستنصر «مأمون» الدولة الأموية في الأندلس. ولأنه كان يجمع كتب الفلسفة لبحثها ودراستها، فقد طلب من ابن طفيل أن يعمل على تلخيص كتب أرسطو، ولكن ابن طفيل، لسبب أو لآخر، انتدب صديقه فيلسوف قرطبة، ابن رشد، لهذه المهمة.
وعلى الرغم من عدم إنجاز ابن طفيل للمهمة، إلا أنه كان قد ترك لنا قصة «حي بن يقظان»، التي يقدم فيها خلاصة فلسفته في سرد روائي شيق، إذ، يخلص إلى «فلسفة الفطرة» والاستدلال العقلي على وجود الخالق من خلال الطفل «حي»، الذي تربيه ظبية في جزيرة نائية بعيداً عن البشر.
وفي هذه الجزيرة، وبعد موت الظبية، يتعلم «حي» بالتجربة والمُعايشة حقيقة الحياة والروح، ويتوصل إلى حقائق الكون والألوهية، وحينما يلتقي «أبسال»، الرجل الميال للزهد والتصوف من جزيرة أخرى عامرة بالناس، تتطابق معرفة «حي» العقلية مع معرفة «أبسال» المتحصلة عبر الشريعة السماوية.
وعندما يختلط «حي» بالناس، ويرى علقهم بالدنيا، يصطدم بالحياة وبتفكير الناس البعيد عن الدين وعن الفهم الباطني للخلق، ويعرف أن أكثرهم بـ«منزلة الحيوان» غير الناطق. ولذلك، يكتشف أن السبب في مجيء الرُّسل هو بهدف تنظيم حياة الناس.
وفي النهاية، يختار «حي» العودة إلى جزيرته الأولى، ليتفرغ للعبادة، وليصير بذلك رمزاً لـ«الفطرة السليمة».
وكما يبدو في هذه القصة الفلسفية، «حي بن يقظان»، التي سبق ظهورها عصر النهضة في أوروبا، وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وأينشتاين، وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث، يتضح مسعى ابن طفيل في إظهار الدلائل الإيمانية والتأملية معاً في منظومة الخلق والكون.
بيد أن أهم ما يمكن ملاحظته، بهذا الخصوص، أن هناك علاقة مباشرة بين القصة، التي كتبها ابن طفيل، والفلسفة المشرقية السينوية «فلسفة ابن سينا»، وهذا ما يؤكده ابن طفيل نفسه.
وإذا حاولنا تلمس الملمح العام لهذه العلاقة المباشرة، المُشار إليها، فسنجد أن ابن طفيل يعرض في قصته، ليس «الحكمة المشرقية»، كما ذكرها ابن سينا، بل أسرارها. وفي ما يبدو، فإن الأمر يتعلق بفهم هذا الرجل لفلسفة، هي بالضبط «الحكمة المشرقية».
إن ابن طفيل يتحدث فعلاً في مقدمة القصة عن حصوله على «ذوق يسير»، وأن ذلك هو الذي جعله يشعر بنفسه أهلاً لعرض أسرار «الحكمة المشرقية» تلك، ولكنه، في الوقت نفسه، يؤكد أيضاً أن طريقه لم يكن هو طريق ابن سينا، ولا طريق الغزالي أو غيره من «منتحلي الفلسفة» -حسب تعبيره- في عصره، بل لقد حصل به ما حصل، كما يقول: «بطريق البحث والنظر، ثم المشاهدة».
ونحن عندما نؤكد هذا، لا نرمي من ذلك إلى نفي التأثير، تأثير ابن سينا أو غيره على ابن طفيل، ولكننا نريد التأكيد على أنه بالرغم مما قد يكون هناك من تأثير لـ«الشيخ الرئيس» على ابن طفيل، وبالرغم من أن هذا الأخير قد عرض فلسفة ابن سينا عرضاً أميناً محايداً، فإن هذا الفيلسوف الأندلسي لم يكن ينطلق في تفكيره، ولا في إشكالياته من منطلق ابن سينا.
لقد كان «الشيخ الرئيس» يهدف إلى دمج الفلسفة في الدين، والدين في الفلسفة، ومن ثم التعويض بفلسفة دينية واحدة.
واستقى ابن طفيل هذه الفلسفة الدينية من مختلف كتب ابن سينا المتداولة حينئذ، مثل: كتاب «الشفاء»، وكتاب «الإشارات والتنبيهات»، وبعض القصص الرمزية كقصة حي بن يقظان، وقصة أبسال وسلامان، بل وعمد إلى إبراز «العناصر المشرقية» فيها. غير أن ابن طفيل لم يقتصر على شرح هذا الطريق وحده، الطريق الفلسفي الديني الذي سلكه حي بن يقظان، بل وضع في موازاته أيضاً طريقاً آخر، هو طريق الدين، طريق الوحي.
إلا أن الفيلسوف الأندلسي يترك الطريقين متوازيين في النهاية، كما وضعهما في البداية، ففي القصة: فشل «حي بن يقظان» في إقناع جمهور المؤمنين، بأن طريقه وطريقهم واحدة، وأن الطقوس التي يمارسونها ليست مقصودة لذاتها، بل لأجل أن توصلهم إلى ما وصل إليه بمجرد النظر والتأمل.
أما البديل الذي يطرحه ابن طفيل، بل المدرسة الفلسفية في المغرب والأندلس بكامل أعضائها، فهو الفصل بين الدين والفلسفة. ولعل «بديل» ابن طفيل يتضح إذا لاحظنا أن «حي بن يقظان» من خلال تجربته، كان قد استطاع أن يتعرف على الطبيعة أولاً، ثم على ما وراء الطبيعة، ومن ثم، وعبر اكتشاف أسرار الطبيعة، يتوصل إلى الاقتناع بوجود مبدأ لهذا الكون.
وأياً ما يكن من أمر الاتفاق أو الاختلاف، إلا أن مما يجب الإشارة إليه أن ابن طفيل، وضع طريقي المعرفة أمام الإنسان: الطريق الفلسفي، وطريق الدين، طريق الوحي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©