الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الترجمة.. جسر التلاقي بين الحضارات

الترجمة.. جسر التلاقي بين الحضارات
18 ابريل 2024 02:00

هزاع أبوالريش (أبوظبي)
يأتي دور الترجمة في ترسيخ مفهوم ثقافة المعرفة، وفلسفة التواصل مع الآخر كرؤية استراتيجية تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة، لما لها من أهمية في الحراك الثقافي العالمي، حيث إنها تسهم في تعريف العالم بالإرث والموروث ما بين الماضي والحاضر وإثراء التراث الفكري- الإنساني. كما أن حضور الترجمة ضمن مؤتمراتٍ وندواتٍ ومحاضرات، والاهتمام بها، جاء ذلك في إطار التوجهات الحكيمة للقيادة الرشيدة بترسيخ ثقافة التواصل الحضاري مع مختلف ثقافات العالم، ومع انطلاق أعمال مؤتمر الترجمة الدولي الرابع الذي ينظمه الأرشيف والمكتبة الوطنية خلال أبريل الجاري تحت شعار «نحو آفاق جديدة: الترجمة وبناء مجتمعات المعرفة»، تحدث إلى «الاتحاد الثقافي» نخبة من مسؤولي الجهات الثقافية والمعرفية حول أهمية الترجمة باعتبارها جسراً بين الحضارات، وكذلك دورها في بناء مجتمعات المعرفة وتطويرها. 

بدايةً، يقول الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، الأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب: «طالما كانت الترجمة حجر أساس في ازدهار الحضارات، وقد استفاد العرب من الترجمة وأفادوا بها، فكما كانت الترجمة بين العربية واللغات الأجنبية سبباً في نهوض الحضارة العربية، كانت سبباً بعد ذلك في نهوض القارة الأوروبية بأكملها». 
ويضيف: «وطالما اهتمّت دولة الإمارات العربية المتحدة، وعاصمتها أبوظبي، ببناء وتشييد جسور التلاقي والتواصل المعرفي والإنساني بين الشعوب والحضارات، والترجمة أحد أقوى هذه الجسور».
وتابع د. علي بن تميم: «وإدراكاً منه لأهمية الترجمة في التعريف بثقافات وخصوصيات الشعوب، يسعى مركز أبوظبي للغة العربية لتنويع مشاريعه ومبادراته في خدمة الترجمة وتعزيز دورها صلة وصل بين الشعوب تجسر المسافات وتقرب المفاهيم وتعزز قيم التسامح والإخاء والانفتاح، وهي القيم التي تضعها قيادة الإمارات الحكيمة موضع الأولوية في كل خططها التنموية. ويعد مشروع كلمة للترجمة، الذي قدم له كلَّ أشكال الدعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أحدَ أبرز المشاريع المؤثرة في مسيرة الترجمة إلى العربية. وقد نجح مشروع كلمة للترجمة منذ انطلاقته عام 2007 في أن يكون حجر أساس في بنية الصناعات الثقافية والإبداعية وعملية التواصل بين الحضارات من على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة». 
واستطرد رئيس مركز أبوظبي للغة العربية في حديثه: «أصبح مشروع كلمة للترجمة مؤسسة تواصل حضاري مهمة، وهو ما أهله لحصد عدد من الجوائز الدولية، أبرزها: جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمية للترجمة سنة 2011، وجائزة أفضل مؤسسة تدعم نشر كتب الأطفال، ضمن مبادرة أوائل الإمارات، سنة 2016. وفي المجال ذاته، تجدر الإشارة إلى الدور الذي تلعبه منظومة الجوائز النوعية التي يديرها مركز أبوظبي للغة العربية، والتي تحظى الترجمة منها بنصيب وافر، سواء في فروعها التي تستقبل المشاركات في تخصصات محددة تخدم منظومة التأليف والترجمة والنشر والدراسات العلمية، أو في المنح المخصصة لدعم وإثراء حركة الترجمة المتبادلة من العربية وإليها وأبرزها: «منحة الترجمة» التابعة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وبرنامج «أضواء على حقوق النشر - فرع الترجمة والتحويل الإلكتروني والصوتي».
ويختتم د. علي بن تميم بقوله: «كما أسهمت عاصمة دولة الإمارات بتقديم جوائز تشجع على تقدير المترجمين، وهو ما تفعله جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرعها المهم وهو «فرع الترجمة»، كما لم يغب عن أبوظبي دعم الجوائز العالمية مثل جائزة البوكر، والتي تسهم أيضاً في نقل الروايات العربية المميزة إلى اللغات الأخرى وعلى رأسها الإنجليزية. إن الترجمة كما نراها، وكما تحققت من خلال مشروع كلمة وجائزة الشيخ زايد وغيرها الكثير من المبادرات المبتكرة التي قدمتها أبوظبي، هي همزة وصل لا غنى عنها بين الثقافة العربية وبقية ثقافات العالم - ممثلة في لغاتها، فهي طريقنا للتعايش مع الآخر والتواصل معه، وتعزيز ثقافة التسامح والتشارك في بناء حضارة إنسانية واحدة».

دور محوري
ومن جانبه يشير عبدالله ماجد آل علي، مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية، إلى الصعوبات والتحديات التي طالما صاحبت عملية الترجمة على مر التاريخ: «يقول الشاعر الألماني يوهانغوته في رسالة بعث بها في عام 1828 إلى المفكر الأسكتلندي السير توماس كارلايل:«مهما قلنا عن عدم اكتمال عملية الترجمة، فإن هذا النشاط يظل على الأقل إحدى المهمات الأساسية والأكثر جدارة بالاحترام في ساحة الحوار العالمي». ويضيف آل علي: «إنه في الوقت الراهن لم يعد ثمة شك في أن الترجمة باتت تشكل الآن وأكثر من أي زمن مضى أحد أهم وأخطر التبادلات الثقافية في عالمنا الحديث والمعاصر. وآية ذلك أنه ما من ثقافة أمةٍ أو شعبٍ، مهما كانت درجة تطورها ومستوى انتشارها ونطاق مجالها الحيوي اللغوي، إلا وتأخذ بجانب من الترجمة، إما طلباً لمعرفة فكرٍ وفنٍ وأدبٍ وعلمٍ وتكنولوجيا الآخر، أو عرضاً لفكرها وفنها وأدبها وعلمها وتقنياتها على الآخر، باعتبار المطلوب الأول تلبيةً لحاجةٍ وتغطيةً لنقصٍ وسدٍ لفراغ». 
واستطرد آل علي حديثه: «تلعب الترجمة دوراً محورياً في التعريف بالذات القومية والسمات المحلية والمشتركات الإنسانية، علاوة على الإضافات النوعية الخاصة في مجالات الفكرِ والفن والأدب والعلم والتكنولوجيا، ولم تعد الترجمة مجرد مسألة أسلوبية ولغوية، بل صارت مسألة حضارية وثقافية من دونها لا يمكن الانفتاح على الآخر ولا معرفته بقصد التعايش معه. وفي ظل عصر الذكاء الاصطناعي والثورة المعرفية الحاسوبية أصبحت الترجمة تشكل مجالاً رحباً للتواصل وترسيخ ثقافة المعرفة، ولم تعد مجرد وعاء لنقل أسرار التكنولوجيا والصناعات المتطورة، بل انتقلت إلى مرحلة التفكير الابتكاري والتطوير الإبداعي». 
وتابع آل علي: «وإذا كانت الترجمة قد لعبت دوراً عظيم القيمة، بالغ الأهمية في الحراك الثقافي العالمي، فكانت نقال المعارف والثقافات بين شعوب العالم القديم، مهما شاب هذا النقل من نقص أو تقلقلٍ أو تحريفٍ أو تشويه، فإنها كانت في ذات الوقت رسالة مثاقفة وحوار وبناء جسور بين الحضارات والثقافات. ولم تشكل الترجمة عبر العصور أي خطابات تصادمية غير حضارية مع الآخر. وبفضل الترجمة عرف العالم الحضارة الفرعونية في مصر القديمة بذخائر معارفها في الحساب والفلك والزراعة والطب والهندسة، حيث تلقفها اليونانيون، ثم تلقف الرومان آداب اليونان وفلسفتهم وعلومهم، ويأتي العرب فينقلون عن الإغريقية واللاتينية، ثم يجيء دور أوروبا العصور الوسطى وعصر النهضة وعصر الأنوار في نقل المعارف والعلوم عن العرب، فتترجم كتب ابن سينا وابن رشد وابن الهيثم والكندي والرازي والفارابي لتُدرس في الجامعات الأوروبية». 
ويختتم آل علي بقوله: «من أجل الارتقاء بحركة الترجمة على كافة الأصعدة أطلق الأرشيف والمكتبة الوطنية مشروع (ترجمات)، وقد أثمر المشروع عن عشرات من الكتب المترجمة من وإلى اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية والإسبانية والعبرية والروسية.. إلخ. وعلى ذات الصعيد قام الأرشيف والمكتبة الوطنية بتنظيم أربعة مؤتمرات دولية متتالية في الترجمة منذ عام 2021 وحتى الآن، علاوة على عقد العديد من الندوات والدورات التدريبية للمترجمين والمهتمين بكافة فروع الترجمة».  

تعزيز الحوار
يقول الدكتور سلطان النعيمي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية: «تعد الترجمة أرقى أشكال التواصل الثقافي بين الأمم، ومن أهم الوسائل قديماً وحديثاً في التلاقح بين الحضارات من خلال منطق التأثير والتأثر، وتتجلى أهميتها في الانفتاح على تراث الأمم الأخرى، ونقل نتاجها الفكري والأدبي والعلمي، وفي تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، والتعريف بالعلوم والتكنولوجيا وتوطينها، ومواكبة الحركة الثقافية والفكرية في العالم، وإثراء اللغة ودراساتها. مبيّناً: وفي ضوء إسهامات الترجمة ودورها الحضاري، تحتفي الأمم المتحدة في يوم 30 سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للترجمة، مثمنة فيه دور المترجمين - كحملة ألوية التنوير والفكر- في مد الجسور بين الشعوب، وتسهيل الحوار والتفاهم بين الدول».
ويضيف: «يرتبط الازدهار الحضاري والتقدم الفكري الإنساني تاريخياً ارتباطاً طردياً بعملية الترجمة والنقل والتأليف، وتدرك دولة الإمارات وهي تشق عباب الزمن لبناء حضارتها الأهمية البالغة للترجمة، كوسيلة للتواصل بين الأنا والآخر، ومن أبرز تجليات هذا الاهتمام في حقل الترجمة إطلاقها عدداً من المشاريع الحيوية، ومع التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل، دخلت الترجمة طوراً جديداً من الانتشار وغزارة الإنتاج وكما تواجه أيضاً بعض التحديات، فقد أصبحت الترجمة الآلية واستخدام الذكاء الاصطناعي أدوات مساعدة للمترجمين البشر تعينهم على اختصار الزمن وتوفير الكثير من الجهد». ويستطرد الدكتور النعيمي بقوله: «لكن ثمة اعتقاداً في السنوات الأخيرة بأن الترجمة الآلية ستحل محل المترجم البشري، وفي هذا الصدد يؤكد خبراء الترجمة أن الإنسان سيظل هو محور الترجمة، فهو الوحيد القادر أن ينفذ إلى روح النص ويرسم الفكرة الكامنة وراء الكلمات والسطور، إنّ الترجمة في العموم ظاهرة إنسانية مركبة، ومن أسمى غاياتها التقريب بين مختلف البلدان والثقافات، والحد من انتشار ظاهرة رُهاب الأجانب ومعاداتهم وتصحيح الصور النمطية والتحيز اللاواعي».

خطاب مغاير
تقول أسماء صديق المطوع، مؤسسة صالون الملتقى الأدبي: «ترتبط مفردة الترجمة بعملية إنتاج خطاب مغاير، وصنع حوار يجعل الآخر شريكاً في التواصل الثقافي، إنها المنطقة التي تذوب فيها الحدود بين الذات والآخر، ومساحة تدعو إلى ارتياد آفاق جديدة. مضيفة، كيف يمكننا تخيل ثقافتنا العربية التي وصلتنا من خلال المحمولات التقليدية لو إنها انعزلت جغرافياً ولم تنفتح على الآخر بأحافيره المعرفية التي نقلتها الترجمة وجعلتها شريكاً فاعلاً في حياتنا؟». وتؤكد المطوع: «لقد نشأت مجموعة واسعة من المعارف التي صارت متوناً مؤثرة في ثقافتنا بسبب تراجمة بيت الحكمة قبل 1200 سنة، وبعد أن فقد الغرب أصول هذه الكتب عادت إليه بسبب الترجمة وكانت سبباً في نهضته. فمن حسنات الترجمة أنها خلخلت عناصر النمطية التي أفرزتها العولمة، ورسخت التبادلات الثقافية والمعرفية، وأبرزت الخصوصية الثقافية في إطار التعدد والاحترام المتبادل».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©