الإثنين 29 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني للفلسفة في أبوظبي

عبدالله بن بيه خلال كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر (تصوير: وليد أبو حمزة)
7 فبراير 2024 01:26

سعد عبد الراضي (أبوظبي)
انطلقت أمس في أبوظبي أعمال المؤتمر الدولي الثاني للفلسفة الذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بعنوان «الفلسفة ورهان التقدم النظري والاجتماعي»، بحضور الدكتور محمد راشد الهاملي، رئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، والدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير الجامعة، إلى جانب ممثلي الجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية والثقافية في الدولة، ويشارك في أعمال المؤتمر على مدى يومين 62 من الباحثين والأكاديميين والخبراء ينتسبون لـ35 جامعة وجهة من 16 دولة حول العالم، وتطرح خلال أعمال المؤتمر 55 ورقة عمل تغطي المحاور الرئيسية للمناقشات.
ويهدف المؤتمر إلى إبراز البعد الإشكالي لمفهوم التقدم وإمكانية صياغة فهم ممكن ومعقول له بحسب ما تحتاج إليه المجتمعات المعاصرة، والعمل على تعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية لحماية الإنسان والأرض من نتائج التقدم التقني.

مواءمات حضارية
وخلال كلمته المسجلة في افتتاح أعمال المؤتمر، أشاد معالي الشيخ عبد الله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس المجلس العلمي الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بالدعم الذي تقدمه القيادة الرشيدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وللعلم والتعليم محلياً ودولياً. وأكد أهمية استعادة الدّور التّاريخي للفلسفة والسعي إلى مصالحة تاريخية جديدة بين الدين والفلسفة والعقل والنقل والرُّوح والمادّة والقيم والوجود، بين الذات والآخر، والأصالة والمعاصرة. وأضاف: «يمكن أن يتم ذلك من خلال منهج المواءمات الحضارية والوساطات والجسور المتصلة بين الحقول المعرفية والممرات الواصلة بين الفضاءات الثقافية، والتحالف بين القيم والتكامل بين الكليات، وبهذا المنهج تعاد برمجة العقول نحو التفكير الإيجابي لصياغة خطاب فلسفي يضع الإنسان في قلب كل اهتمام نظري أو عملي وغاية لكل تقدّم وتطوّر. وبهذا نريد فلسفة تساندية لا تعارضية بين الثلاثي الذي يحكم توجهاتنا: الحس والعقل والوحي، فلسفة تنشر السكينة والطمأنينة وتعزز الإيمان، وتصرف طاقات الإنسان في قنوات البناء والتقدّم، وتعيد المنطق إلى حياةِ الناس وتعيد مركزة العقل في الخطاب الديني من خلال مفاهيم المصلحة والحكمة والعدل والرحمة. وقال ابن بيّه: إن تلك الرؤية هي التي تؤسس لهذا اللقاء السنوي المتجدّد، في فضاء التسامح والتصالح، لتسهم الفلسفة والعلوم الإنسانية من موقعها في مهمة الاستئناف الحضاري الواعي والازدهار التنموي المستمر الذي تضطلع به دولة الإمارات».

بناء القدرات الفكرية
من جانبه، رحب الدكتور محمد راشد الهاملي، رئيس مجلس أمناء جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، في كلمته بالمشاركين في المؤتمر الذي تنظمه الجامعة ضمن سلسلة مؤتمراتها العلمية لبناء القدرات الفكرية والفلسفية. وقال إن دراسة الفلسفة تعتبر من المساقات العلمية المهمة التي اعتمدتها الجامعة ضمن برامجها الأكاديمية، وجاء التركيز على الفلسفة لما لها من دور أساسي في إثراء قيم التسامح والتعايش والمعرفة والأخوة الإنسانية التي تتبناها الإمارات وعاصمتها أبوظبي نهجاً وممارسة.
وأكد أن تنظيم المؤتمر يجسد سعي جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، لإنتاج معرفة متميزة وربط الفلسفة بالقضايا المعاصرة، وتحقيق رؤية أبوظبي وحكومة دولة الإمارات في بناء القدرات الفكرية والفلسفية.
وأضاف الهاملي: «نسبة لأهمية موضوع المؤتمر، فقد تم الإعداد له جيداً، وحرصت الجامعة على إثراء محاوره والاستفادة من خبرات نخبة من الخبراء والأكاديميين المشاركين في أعماله»، مشيراً إلى أن مخرجات المؤتمر ستكون مرجعاً للدارسين والباحثين في مجال الفلسفة، من خلال أوراق العمل التي أعدت بعناية من قبل أساتذة أجلاء مشهود لهم في هذا المجال المهم.

الفلسفة الحقيقية والعلم المسؤول
إلى ذلك، أكد الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير الجامعة، لدى مخاطبته الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثاني للفلسفة، أنه لا يوجد تضاد بين الفلسفة والدين، مشيراً إلى أن الفلسفة عنصر أساسي في فهم الدين والإجابة عن التساؤلات الوجودية والحياتية، مستشهداً في هذا الصدد بكلمة ابن رشد الشهيرة «ولما كان الشرع حقاً وداعياً إلى النظر المؤدي إلى الحق، فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أن النظر البرهاني لا يؤدي إلى مخالفة الشرع، فإن الحق لا يُضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له».
وقال إنَّ ارتباطَ المعرفة العلمية بما هو تجريبي وواقعي، جعل العِلم عنواناً لكلِّ تقدُّم بشري، سواء في العلوم الحَقَّة والدقيقة أو العلوم الإنسانية والاجتماعية، متسائلاً في هذا الصدد: هل يُفْهَم من هذا مَوْت أو نُكُوص الفلسفة عن التفكير في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية للإنسان؟ وأضاف: «لقد حاوَل الاتجاه العِلمي الوضعي إعادة استيعاب الفلسفة في العلم، وذلك بِأنْ أناطَ بها وظيفة تنسيق الأساليب والنتائج العامة لعلومٍ معينة، على أن تبقَى تابعةً للعلم أو انعكاساً له؛ لأن المعرفة الحقيقية الوحيدة هنا هي المعرفة العلمية».
وأشار الظاهري إلى أن العلم والفلسفة يسعيان معاً إلى الكَشْف عن حقيقة الإنسان والكَوْن المرئي وغير المرئي، بَل إن كثرة المشكلات الإنسانية تقتضي التداخُل والتفاعُل بين الفلسفة والعلم، وأنَّ كل واحد منهما يحتاج إلى الآخر، لأن الفلسفة الحقيقية لا تكون إلا بالعلم المسؤول والرامي إلى تقدُّم الإنسان، كما أن العلم الحقيقي لا يمكنه الخروج عن المفاهيم الفلسفية الكلية المتصلة بالوجود والمعرفة والقيم.
وتابع مدير الجامعة: كَما استطاع الإنسان أن يَصنع مفهوم التقدم، فكذلك ينبغي أن يُعْنَى بصناعة مفاهيم جديدة للتفكير وتدبير المشكلات الإنسانية المشتركة، مثل مفهوم «المسؤولية الحضارية»، و«القيم الإنسانية المشتركة»، و«حوار الأديان والحضارات والثقافات»، فالفلسفة هي الوسيلة لتفسير معاني الخلق والحياة، وهي الوسيلة للنظر إلى الموجودات والإيمان بالصانع. وأضاف: «يقرب لنا ابن رشد في مفهوم التلاقي بين الدين والفلسفة، بقوله: هي (النظر في الموجودات، واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، وكلما كانت المعرفة بصناعتها أتم، كانت المعرفة بالصانع أتم)، والأمر ذاته ذهب إليه كانط، بقوله: إن الفلسفة هي المعرفة الصّادرة من العقل».

صناعة مجتمع متقدم
كما خاطب المؤتمر الأستاذ الدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، مؤكداً أن فلسفات الأخلاق لم تقدم حتى الآن توضيحاً للوسائل والآليات العملية التي يمكن أن توصل لتحقيق الخير، والتي تساعد الإنسان العربي على صناعة مجتمع متقدم، ولم توضح الشروط الأولية لأخلاق التقدم، أي الشروط التي لابد من توافرها والتي بدونها لا يمكن ممارسة أخلاقيات التقدم، كما أن فلسفات الأخلاق التقليدية لم تقدم الضمانات الدنيوية التي تكفل تطابق الفضيلة والسعادة، وتركت هذه الفلسفات مهمة إحداث التطابق إلى قوى غيبية أحياناً، ولم تعبأ بها أو تلتفت إليها أحياناً أخرى. 
وأضاف: «إذا كانت الفلسفات القديمة استغرقت في بيان كيفية التمييز بين الخير والشر، فهذه مشكلة شكلية أكثر من اللازم، فالخير واضح بذاته والشر واضح بذاته، ويمكن معرفتهما بالعقل المنطقي. ومن جهة أخرى، انحرف المتحدثون باسم الدين عن طبيعته الأخلاقية النقية وغيبوا مقصده الكلى فحولوا الدين إلى سلطة ومؤسسة وكهانة، وانعكست الأولويات في التعامل مع الدين، ما أدى إلى ما يسمى بالعبادة الزائفة التي تسعى لنوال اللطف الإلهي بطرق لا علاقة لها بالفضيلة الأخلاقية؛ لأنها تقوم على الالتزام الشكلي الصوري، وعلى الطقوس والشعائر التي لا تتجاوز دائرة الحركة الجسمية إلى دائرة ارتقاء الروح».
وتابع الخشت: المجتمعات المتقدمة مع أنها لا تتمتع بالكمال الأخلاقي إلا أنها تقدمت بفضل التزامها النسبي ببعض المبادئ الأخلاقية، مثل الشفافية، والمساواة، والعدالة، وإتقان العمل، والبيئة التنافسية العادلة، ومبدأ الجهد والنشاط، ومبدأ لكل حسب عمله، وأضاف: «يصعب على الفرد أن يمارس أخلاقيات التقدم دون أن تتوافر الشروط القبلية لهذه الممارسة في المجتمع، وهي: بيئة تنافسية عادلة، نظام قانوني وسياسي واجتماعي يقدم الضمانات الدنيوية التي تكفل تطابق الفضيلة والسعادة، وتقديس قيم العمران والتنمية والإنتاج».

أوراق عمل 
ناقش المؤتمر في يومه الأول عدداً من الأوراق حيث تناولت الجلسة الأولى «مفهوم التقدم بين الماضي والحاضر»، من خلال عدد من المحاور تضمنت: الفلسفة ورؤى الانحطاط، دفاع عن فكرة التقدم، ومفهوم التقدم عند ابن رشد، وورقة أخرى بعنوان: في نهاية التاريخ، والتقدم والتنوير.. ملاحظات حول كانط وليسنغ، في تاريخ المفاهيم. 
وفي الجلسة الثانية بعنوان «حول مفهوم التقدم فلسفياً» تمت مناقشة مفهوم التقدم: مقاربات وإشكالات، التقدم والحرية: الرهانات الفلسفية الراهنة للمسألة الليبرالية، ومفهوم التقدم بين الكونية والأصول الثيولوجية، القيم ومعارضتها في النهج المتبع للعلاقة بين المواطنة والتقدم الاجتماعي، التقدم في معرفة أرسطو عند أسعد اليانيوي، ونقد نظرية توماس كوهين في تاريخ التقدم العلمي.
ودارت الجلسة الثالثة لليوم الأول للمؤتمر «حول مفهوم التقدم في الفلسفة الإسلامية والفلسفة اليونانية والفكر العربي»، وتضمنت المحاور التالية: هل يأتي الأواخر بما لم تأته الأوائل؟ بحث في مثالات فكرة التقدم في الفلسفة الإسلامية، الإيمان وتقدم العلم، إشكالية الحرية في الفكر العربي المعاصر، مساهمة حسن حنفي ومشروعه الفلسفي الاجتماعي، صناعة التقدم العربي: مقومات ومعضلات فلسفية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©